السبت، 28 مايو 2011

التنمية الزراعية كإحدى وسائل التنمية الريفية المستدامة

التنمية الزراعية كإحدى وسائل التنمية الريفية المستدامة[1]
الفصل الأول: الجوهر المفقود للتنمية الزراعية
الزراعة كطريقة لحياة البشر: بعد أن علمنا مفهوم التنمية فيما سبق من أبواب هذا الكتاب، بقي أن نطبق هذا المفهوم على الزراعة بصورة خاصة نظرا لأن الزراعة تمثل النشاط الاقتصادي الأساسي للمجتمعات الريفية. والحقيقة أن وصف الزراعة بأنها مجرد نشاط اقتصادي إن هو إلا ادعاء مضلل للغاية حيث أن الزراعة ليست مهنة أو حرفة كبقية المهن والحرف يعمل فيها الإنسان وقتا محددا وتدر عليه عائدا ماديا محددا، وإنما تمثل الزراعة في الواقع طريقة حياة متكاملة تستغرق اليوم كله لدرجة أن النوم نفسه يسلم نفسه للزراعة عندما يتوقف من أجل أن يقوم المزارع لإنقاذ حيوان له يلد في منتصف الليل أو نبات يتجمد من الصقيع.
الزراعة ثقافة معينة ترتبط بالطبيعة ارتباطا عضويا، وترتبط بالقيم الدينية ارتباطا وثيقا، وترتبط بحياة بسيطة تسودها العلاقات الاجتماعية الأولية، وترتبط بالمنظمات والنظم القروية التقليدية والمستحدثة، وترتبط بعادات وتراث تقليدي ينفر من حياة المدينة المتسمة بالضجيج والأنانية والمصالح الخاصة وتشييء الحياة كلها بما فيها الناس أنفسهم الذين يصبحون بالنسبة لبعضهم البعض مجرد أشياء تتعامل على أساس المصالح المادية الخاصة.
وإن كانت الزراعة طريقة حياة للمجتمع الريفي فهي بالنسبة للمجتمع كله ريفه وحضره مصدر استمرار لبقائه في هذا الكون نظرا لإمدادها المجتمع بالغذاء والكساء والشراب والزينة والمستحضرات الطبية والدوائية والأوكسجين إكسير الهواء والطاقة البشرية وغير ذلك من متطلبات البقاء والحياة.
هذا على الأقل هو حال الزراعة السائدة في عالمنا النامي فيما يسمى بالزراعة العائلية، أي الزراعة التي تسودها المزارع العائلية Family farms والتي لا تتسم بوجود أو سيادة المزارع الضخمة أو الشركات الزراعية Corporate farming التي تسود الآن في الولايات المتحدة بالدرجة الأولى وأوروبا بالدرجة الثانية. ومع هذا فهناك حركات دائمة لاستعادة انتشار الزراعة العائلية في هذا العالم الغربي الذي سادته الشركات الزراعية مما أدى إلى انخفاض نسبة القوة العاملة الزراعية في هذه الدول إلى 2-4%، بينما لا زالت قوة العمل الزراعية في ريفنا المصري تصل إلى حوالي 45%.
النظرة الزائفة إلى التنمية الزراعية: لقد جرى العرف، عرف الاقتصاد، على النظر إلى التنمية الزراعية على أنها زيادة فقط في الإنتاجية الزراعية. إن الحديث عن الزراعة هو بالضرورة حديث عن المزارعين. ولكن العرف الأكثر منطقية يقول أن التنمية ليست فقط لغرض المال وإنما هي بالضرورة من أجل البشر وبواسطة البشر. والبشر المزارعون ليسوا كبار رجال أعمال أو مستثمرين كبار، وإنما هم المزارعون الفقراء والرعاة والصيادون والنساء والعمال الزراعيون. الزراعة ليست مجرد أداة للتنمية ولكنها بالنسبة لملايين المزارعين طريقة حياة، ومن ثم فلابد من مخاطبة حاجات هؤلاء البشر وليس فقط النظر إلى إنتاجية المزرعة. وكذلك عندما ننظر إلى نمو الدولة وبقائها فلابد من النظر إلى الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي على أنهما الملاذ الأساسي. وكذلك لابد من النظر إلى العدالة وليس مجرد الإنتاجية والنمو الوطني الذي يمكن أن يحدث بيد الأقلية على حساب الأغلبية الغائبة، تلك الأغلبية الفقيرة البعيدة عن النفوذ والسلطة، والتي لا تتمتع حتى بتنظيم نقابي أو مهني يدافع عن مصالحها. الفقر لا ينتج من نقص الموارد ولكنه في الغالب الأعم ينتج عن عدم العدالة وسوء توزيع الموارد وانعدام النفوذ والسلطة لدي الفقراء. إن المنافسة العالمية اليوم واقتصاد السوق المفتوح والتحرر المزعوم قد يؤدي لكارثة مهولة وهي اندثار كل من المزارع الصغير والمزرعة العائلية.
وغالبا ما تتمثل الأزمة الحالية للزراعة المصرية والمجتمعات الزراعية في ثلاث نقاط أساسية:
1.      عدم مراعاة الآثار الاجتماعية والبيئية لثورة التكنولوجيا الزراعية.
2.      استسلام السياسات الزراعية وتنمية المجتمعات الريفية للإستراتيجيات الهادفة إلى التحضر السريع على حساب الريف.
3.      سياسات التحرر الطائشة التي تسمح بدخول وسيطرة المشروعات الزراعية الدولية والعالمية ورجال أعمالها الأنانيين.
ماذا لو كنت وزيرا للزراعة مسئولا عن التنمية الزراعية؟ المهمة الأساسية لوزارات الزراعة في العالم هي التنمية الزراعية. وعلى ذلك فماذا يفعل وزير الزراعة من أجل ذلك؟ لأول مرة في تاريخ مصر يشغل منصب وزير الزراعة في مصر الآن وزير غير متخصص في الزراعة لم يحصل حتى على دبلوم زراعة ثانوي (أول شهادة زراعية رسمية). ومع ذلك فهو لم يختلف عن غيره من الوزراء السابقين في الاعتماد على مستشارين في مختلف المجالات الزراعية، إلا أن المستشار الأساسي لوزير الزراعة كان دائما واحدا أو أكثر من علماء الاقتصاد الزراعي سواء من الجامعات أو من مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة نفسها بجانب زملائهم من العلماء التقنيين سواء في مجالات الإنتاج النباتي أو الحيواني أو مجالات المقاومة وأمراض النباتات والتصنيع الغذائي والزراعي بوجه عام. ومن ثم فكانت النظرة السائدة للتنمية الزراعية هي التنمية الاقتصادية الزراعية والتي كانت دائما تركز على أنسب الدورات الزراعية والنماذج المحصولية.
ولتوضيح الجدل الذي يدور حول التنمية الزراعية نذكر هذه الهامشية حيث كتب عبد الوهاب دردير  في مجلة "شباب مصر: الطريق نحو المستقبل" في 25/7/2009م : 
ثلاث سنوات وسبعة أشهر.. كانت كفيلة بتدمير ميراث مصر الزراعي الذي ظل يُشيده المصريون طوال قرون طويلة, حيث استطاع أمين أباظة خلال السنوات الثلاث سنوات والأشهر السبعة - وهى الفترة التى تولّى فيها "أباظة" وزارة الزراعة من ديسمبر 2005م وحتى الآن - أن يقضى على الأخضر واليابس في ميراث مصر الزراعي الذي حاولت مصر أن تحافظ عليه قرونًا طويلة ليصدر خلال هذه الفترة القصيرة 4859 قرارًا في خلال 43 شهرًا.. والتي قُدرت منذ تولى الوزارة وحتى الآن بواقع 113 قرارًا في الشهر الواحد.. هذه القرارات كانت بمثابة المُبيد المُسرطن لمستقبل الزراعة في مصر.. وهذا ما سنكشفه من خلال ما نرصده من قرارات لوزير الزراعة المصري، والذي اتفق عليه الخبراء أنه أفشل وزير في مصر يتولى وزارة الزراعة.
ـ أباظة والقمح
البداية كانت في أول قرارات أباظة برفع إنتاجية محاصيل العلف الصيفية والشتوية، وبذلك قضى على حلم المشروع القومي للقمح والذي تم إقراره في المؤتمر القومي الأول لتطوير المشروعات الزراعية المقترحة في إطار الإستراتيجية القومية للبحث العلمي والتي كانت تقضى بالوصول إلى إنتاج مصر إلى 12 مليون طن بحلول عام 2010م، وذلك عن طرق متعددة من أهمها زيادة متوسط الإنتاجية من 17 إردبًا للفدان إلى 19 إردبًا بنهاية 2007م من الخطة لتصل إلى 24 إردبًا للفدان بحلول عام 2017م ، ووضعت الخطة في اعتبارها نشر وتعميم زراعة الأصناف ذات الإنتاجية العالية مثل سخا 94 وجيزة 10 وجيزة 168 وجيزة 9 وجيزة 7 وسدا بني سويف وسخا 93. وحتى يُجهز أباظة على هذا الحلم القومي أصدر قراره بإلغاء دور الإرشاد الزراعي وبذلك أغلق 5 حقول إرشادية بمحافظات كفر الشيخ والدقهلية والشرقية تبعها ضياع 50 حقلا إرشاديا وكانت تعد خطتها لمشروع التحميل المناوب -أرز مبكر- قمح محمل عليه قطن، ثم انهالت القرارت حتى ألغى إلزام الفلاح على توريد محصول القمح للجمعيات التعاونية, بل ولم يكتفِ بهذا وإنما أصدر مجموعة قرارات كانت بمثابة فتح الباب للفلاحين إلى تحوّلهم من زراعة القمح إلى زراعة المحاصيل سريعة الربح، كالخضر والفاكهة، والتنسيق مع وزارة التضامن، ثم رفض تسلم كميات القمح، وترك الأمر للمزارع وراح جهابذة الزراعة والتضامن يتبارون في تصريحاتهم بأن سعر الإردب للقمح البلدي الذي نزرعه أغلى وأعلى سعرًا من القمح الذي نستورده، ونسى جهابذة الزراعة والتضامن أن القمح وزراعته أمن قومي غذائي مهم لكينونة مصر، وكان نتيجة ذلك، كما يقول قسم الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، من خلال دراسته للواقع المؤلم لحال زراعة القمح في مصر:
إن وزارة الزراعة ضاعفت من الأعباء المالية على الميزانية العامة للدولة بعد أن أضاعت المشروع القومي للقمح، مؤكدة أن المسئولين على الزراعة في مصر لم يكتفوا بتدمير المشروعات الزراعية فقط، بل حمّلت الدولة أعباءً مالية تصل إلى 6.6 مليار جنيه على أساس حرمان مصر من الوصول إلى إنتاج 12 مليون طن قمح عام 2010م.
ـ المحاصيل الزيتية
وبعد أن أجهز "أباظة" على الحلم القومي لمحصول القمح راح يصدر قراراته بشأن المحاصيل الزيتية وحتى تتضح الحقيقة علينا أن نضع بين يدي القارئ حقيقة وضع المحاصيل الزيتية قبل أن يتولى "أباظة" إمارة الزراعة (الوزارة) من 2004م وحتى 11/2005م أي قبل أن يتولى "أباظة" أمر وزارة الزراعة.. كانت مصر تزرع حوالي 260 ألف فدان بالمحاصيل الزيتية من سمسم وعباد الشمس وفول الصويا والكانولا، منها 70 ألف فدان مزروعة بالسمسم، حيث كانت هذه المساحة تنتج زيوتًا نباتية حوالي 50 ألف طن من الزيوت النباتية حوالي 1.2 مليون طن سنويًا، أما بعد أن تولى "أباظة" مسئولية وزارة الزراعة تقلصت هذه المساحة المنزرعة بمحصول فول الصويا والسمسم والكانولا وعباد الشمس.
وكما يقول د. عبد الغفار العباسي، أستاذ الاقتصاد الزراعي: هناك فجوة كبيرة جدًا بين الإنتاج والاستهلاك تقدّر بنحو 89% تتم تغطيتها عن طريق الاستيراد مما يحمل الدولة عبئًا كبيرًا في الميزانية مع أنه كان بإمكاننا في مصر أن نصل إلى معدل إنتاجية يصل إلى 50% لو كنّا سرنا على خطط ومنهج علمي في التوسع بزراعة المحاصيل الزيتية، خاصة أن هناك مساحات واسعة ثم التوسع في استصلاحها بالصحراء، لكن يبدو أن القائمين على الزراعة لهم رأى آخر.
ويضيف د. "عبد الغفار" أن طاقة المعاصر الزيتية الموجودة في مصر تبلغ 800 ألف طن وتتجاوز احتياج مصر، تتحكم 6 شركات حكومية في حوالي 75% ويتحكم القطاع الخاص في حوالي 25%، إلا أنه رغم كل هذه الإمكانيات من طاقة المعاصر الزيتية فإنها لا تجد البذور الكافية لتشغيل طاقتها، لهذا تضطر هذه الشركات لاستيراد الزيت الخام وتتم إعادة تكريرها وتعبئتها لبيعها في السوق المحلية.
وتؤكد دراسة بقسم الاقتصاد الزراعي أنه منذ بداية عام 2006م وحتى 2008م أصبحت المصانع الزيتية طاقة مُعطلة في مصر بسبب تقلص المساحات المزروعة من المحاصيل الزراعية.. وكما أكد خبراء المحاصيل الزيتية أن الأراضي الصحراوية في مصر، خاصة في طريق السلوم الصحراوي كفيلة بتخطيها احتياج مصر من الزيوت، وخاصة زيت الزيتون لأنها من أجود أنواع الأرض في زراعة الزيتون.
وعلمت "شباب مصر" أنه كانت هناك خطة على مرحلتين لزيادة ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الزيوت، تبدأ المرحلة الأولى منها من عام 2005م وحتى 2007م بزيادة حوالي 30% ثم ترتفع لحوالي 50% بحلول عام 2010م، لكن كان لـ"أباظة" رأى آخر حيث وصلت في عهده الإنتاجية إلى 11% بسبب تدهور المحاصيل الزيتية.
ـ الاراضى الجديدة
واستمرارًا لتدمير ثروة مصر الزراعية أصدر "أباظة" عام 2007م أكثر من 165 قرارًا خاصة بالأراضي الصحراوية ليس من شأنها رفع الإنتاجية للمحاصيل المهمة والإستراتيجية وإنما لخدمة رجال تسقيع الاراضى من المقربين وأصحاب النفوذ، حيث كان لأثر بعض هذه القرارات، والتي من ضمنها حرمان الشباب من خريجي كليات الزراعة وشباب الجامعات من تمليكهم قطع أراضٍ بحجة أنهم غير قادرين على زراعتها، وبالتالي كان المبرر لطرح هذه المساحات الشاسعة لرجال الأعمال والمقربين، والذين قاموا بتسقيعها، وبالتالي أغلق "أباظة" الباب على خطة المشروع القومي للتوسع في زراعة محصول السمسم بالأراضي الجديدة والتي كان مخططًا لها زيادة المساحة بمعدل 10 آلاف فدان سنويًا لزيادة المساحة المزروعة إلى 110 آلاف فدان إلى 120 ألف فدان حتى عام 2007م لتصل إلى إنتاج في حدود 75 – 80 ألف طن بذرة تعطى ما يقرب من 90% من الاستهلاك المحلى، ناهيك عن خطة التوسع في مساحة محصول الفول السوداني من الأصناف الزيتية لتصل المساحة حتى عام 2007م من 180 إلى 190 ألف فدان تعطى حوالي 255 ـ 260 ألف طن سنويًا.
ـ المحاصيل السكرية
أما حال المحاصيل السكرية في عهد "أباظة" يرثى لها, حيث أصدر أباظة عشرات القرارات المتضاربة بداية من تقليل كميات الأسمدة والتي كانت تصرف لكل فدان مزروع بقصب السكر أو البنجر وانتهاءً بإغفال وإلغاء دور الإرشاد الزراعي ليترك المزارعين في معاناة دائمة بعد غياب التوجيه ورعاية المحاصيل، الأمر الذي أدى إلى تقليص المساحة المزروعة بقصب السكر وبنجر السكر إلى حوالي 455 ألف فدان منها 315 ألف فدان مزروعة بقصب السكر و140 ألف فدان مزروعة ببنجر السكر تنتج حوالي 1.6 مليون طن سكر بواقع مليون طن من قصب السكر وحوالي 400 ألف طن من البنجر ونحو 200 ألف طن من المحليات في حين بلغ الاستهلاك المحلى للسكر حوالي 2.3 مليون طن. ويتضح الحال أكثر بالمقارنة، كما يؤكد الخبراء والمهتمون.. حيث يقول المهندس محمود عزت، والذي يعمل بأحد مصانع السكر، إن مصر كانت تستورد قبل تولى "أباظة" 600 ألف طن من السكر لأن الاستهلاك كان 2.2 مليون طن، وكان الباقي ينتج محليًا من خلال مصانع قصب السكر حين كانت المساحات المزروعة بالقصب كافية، وكذلك زراعة بنجر السكر، أما اليوم بعد تدهور زراعة القصب وبنجر السكر، وتحول المزارعين وفق تشجيع وزارة الزراعة لزراعة المحاصيل الأخرى ذات الربح العالي للمواطن كالخضر والفاكهة، وأصبح أمر زراعة القطن اختياريًا في عهد وزير الزراعة الحالي، وبالتالي قلت نسبة الإنتاج، وأصبحنا نستورد حوالي 1.1 مليون طن سنويًا بعد أن كنَّا نستورد 600 ألف طن.
وتؤكد دراسة صدرت في المؤتمر القومي الأول لتطوير منظومة البحث العلمي الخاصة بمجال الزراعة أن مصر وضعت خطة لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل السكرية من حوالي 65% عام 2004م إلى حوالي 80% بحلول عام 2007م حتى نصل في المرحلة الثانية من عام 2007م وحتى 2010م إلى الاكتفاء الذاتي 100%، لكن استطاع "أباظة" أن يُدمر هذا المشروع بقراراته المتضاربة لتظل الدولة تحمل على عاتقها تدبير ميزانية لسد الفجوة بين المنتج والمستهلك، ويرى أساتذة المحاصيل السكرية أن "أباظة" تعمّد تدمير الثروة الزراعية من المحاصيل السكرية بعد أن ضغط على الفلاح في عدم مساعدته، سواء بتقليل الكمية التى كان يحصل عليها عن كل فدان أو السماح للمزارعين بزراعة المحاصيل دون الارتباط بدوره زراعية.
ويرى خبراء الزراعة أنه لو كان هذا الوزير في بلد آخر لكان حُوكم بتهمة تدمير بلد زراعي، خاصة أن العالم اليوم يمر بقلق بسبب مشاكل الأمن الغذائي والمياه.
في عام 2007م استكمل "أباظة" اوكازيون قراراته من تهميش دور الإرشاد الزراعي وإخماد المراكز البحثية الزراعية مما ترتب على ذلك:
1 - إغلاق باب الأبحاث الخاصة بتسجيل 5 أصناف مبشرة من القصب كانت قد أجريت عليها الأبحاث بالتعاون مع مصانع السكر.
2 - إغلاق باب التوسع في استخدام المكافحة المتكاملة، وبالتالي توقفت معامل تربية طفيل الترايكو جراما والذي كان مخصصًا له معملان بمحافظة أسوان، وذلك لمكافحة الثاقبات وكانت نتائجه 100% من المساحات خلال المرحلة الأولى من الخطة 2006/2007م.
3- إلغاء دور 5 معامل لتربية الطفيل كانت تتبع وزارة الزراعة.
والحال في زراعة بنجر السكر لا يقل سوءًا عن حال قصب السكر.. أما محاصيل المحليات الطبيعية كمحصول الاستيفيا فقد أغفل "أباظة" عملية التجارب، والتي كان من المفترض أن يزيد منها حيث كانت هناك 5 تجارب للمعاملات الزراعية عملية، بمعنى أنها تجارب حقلية بمناطق النوبارية و الفيوم وبعض مناطق الوجه القبلي.
وكل ذلك كان بحاجة للإرشاد الزراعي لنقل التكنولوجيا في حقول المزارعين لكن كان لـ"أباظة" رأى آخر حيث ألغى دور الإرشاد الزراعي، وبالتالي فقد همزة الوصل بين الفلاح وتكنولوجيا تحديث الزراعة.
وعلى أية حال، فقد تضاءلت الفائدة المحدودة لهذه النظرة الجزئية بعد أن تخلت وزارة الزراعة عن التنمية الزراعية تحت شعار خصخصة الزراعة[2] والاكتفاء بما يسمى بالتخطيط التأشيري والرقابة والبحوث الزراعية والإرشاد الزراعي.
ويتضح من هذه السطور الأخيرة أنه لا توجد هناك تنمية زراعية في مصر الآن بالمعنى الحقيقي الذي نفهم به مفهوم التنمية. ومع ذلك فلو سألت أي إنسان مثقف عن تصوره للتنمية الزراعية فيما لو كان وزيرا سيقول لك نقاط جميلة نمثلها في البنود التالية، علما بأنه ليس بالضرورة أن يتفق معها وزير الزراعة نفسه في وقت معين:
1.      العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والفول والسكر بصورة أساسية بالإضافة إلى المحاصيل الزيتية والخضر والفاكهة والدواجن واللحوم ومنتجات الألبان.
2.      العمل على المحافظة على الرقعة الزراعية الحالية والتوسع العمراني خارج الدلتا والوادي.
3.      المحافظة على الموارد المائية وترشيد الري وأساليبه.
4.      تحديث وتوفير النظم التسويقية لصغار المنتجين.
5.      ضرورة دعم الزراعية بكافة السبل الممكنة كما يحدث حتى في الدول الرأسمالية (أمريكا وأوروبا).
6.      التوسع الأفقي في الرقعة الزراعية من خلال استصلاح واستزراع الأراضي الجديدة وتوزيعها على المنتفعين والخريجين بنسبة لا تقل عن 50% والباقي لكبار المستثمرين الجادين المستعدين لدعم ومساعدة صغار المزارعين وكذلك للمزارعين التجاريين كما سيتبين فيما بعد.
7.      ضرورة الاهتمام بالبحوث الزراعية وتطبيقها (الإرشاد الزراعي.)
8.      الاهتمام بالرقابة ومراعاة سلامة الغذاء والاتجاه نحو التسميد العضوي.
هذه صورة مبسطة للمفهوم العام للتنمية الزراعية، قد يضاف لها أو يحذف منها ولكن هذا هو المفهوم الذي لا يختلف عليه الكثيرون.
الجوهر المفقود للتنمية الزراعية المصرية: التنمية الزراعية شأنها شأن التنمية بصفة عامة ذات طبيعة مؤسسية أو ذات جوهر مؤسسي، وهذا هو المفقود بالفعل في التنمية الزراعية المصرية. ويتمثل الجوهر المؤسسي في وجود رؤية واضحة صالحة للتنمية الزراعية من خلال سيادة القيم والمعايير والتنظيم في التنمية الزراعية. وتتمثل هذه العناصر في اتسام التنمية الزراعية بأنها:
1.      حركة مقصودة، يشترك ويندمج ويتحمل مسئوليتها الشعب كله وخاصة المجتمع الريفي، وتقوم الحكومة بدور فاعل نشيط سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ أو الرقابة أو الدعم الفني والمادي.
2.      ارتقائية، بمعنى ضرورة تحريك الوضع الحالي نحو وضع مستقبلي محدد يرجى تحقيقه ويكون أكثر رقيا وأفضل حالا من الوضع الحالي، وهنا يتضح الدور الفعال المطلوب للدولة بجانب القطاع الخاص والقطاع الأهلي.
3.      مخططة، بمعنى وجود تخطيط طويل ومتوسط وقصير المدى لتحقيق الوضع المستقبلي المرغوب، وهنا أيضا يتمثل أهمية دور الدولة في التنمية الزراعية.
4.      متكاملة وشاملة ومتوازنة بمعنى التكامل بين جوانب التنمية الزراعية المختلفة مثل الإنتاج النباتي والحيواني والسماكي والصناعي الزراعي وتدوير المخلفات الزراعية وشاملة للجوانب الاجتماعية الزراعية والجوانب التقنية الزراعية واعتماد كلاهما على قيم ومعايير وتنظيمات زراعية، ومتوازنة بمعنى التركيز المتوازن على مختلف الجوانب المذكورة وعلى كل من جوانب رأس المال البشري الزراعي ورأس المال المادي الزراعي والبيئة والاستدامة الزراعية.
5.      التغيير الجذري في حركة التنمية بمعنى التركيز على العناصر البنائية والوظيفية للزراعة المصرية وليس مجرد الحفاظ على الأوضاع القائمة أو محاولة حل المشكلات الناجمة عن سوء الأوضاع الزراعية مثل مقاومة الري بمياه المجاري أو مواجهة العدوان على الأرض الزراعية.
6.      الاهتمام بكل من الجوانب المادية (الرخاء الاقتصادي الزراعي) والجوانب الاجتماعية (الرفاء الاجتماعي للمجتمع الريفي) والرضاء النفسي (لأعضاء المجتمع الريفي) على السواء وليس على العوائد المادية للتنمية الزراعية فقط.
7.      تغطية العوائد التنموية للسواد الأعظم من السكان الزراعيين والريفيين وليس مجرد قطاع صغير من المستثمرين الكبار الذين تنحاز لهم الدولة حاليا بحجة تمثيلهم للقطاع الخاص ذي القدرة الاستثمارية.
8.      الاهتمام بالبيئة والاستدامة والمحافظة على الموارد الزراعية وحفظ حق الأجيال القادمة فيها.
الجوانب المؤسسية للتنمية الزراعية: تتمثل الجوانب المؤسسية في البيئة القيمية والأخلاقية والمعيارية والتنظيمية والتشريعية التي تحيط بالإنتاج الزراعي المادي النباتي والحيواني والصناعي الزراعي المادي، تلك البيئة المؤسسية التي تغيب عن بؤرة اهتمامات السياسيين الزراعيين في معظم الأحيان وخاصة في الدول التي تبنت بصورة خاطئة سياسة التحرر الاقتصادي والارتماء في أحضان اقتصاد السوق المفتوح وقواعده والتخلي عن دور الدولة التنموي الجوهري. ومن أمثلة الجوانب المؤسسية الزراعية ما يلي:
1.      الإيمان بما سمي بالعقيدة الزراعية Agricultural creed، لقد ارتبط الإيمان بالعقيدة الزراعية بدعوة الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة في الفترة من 1801-1809م التي تعتمد على قيم أساسية ثلاث: أولا: الزراعة هي المهنة الأساسية للجنس البشري، ثانيا: الحياة الريفية تسود فيها الأخلاق والقيم السامية بدرجة تتفوق على الحياة في البيئة الحضرية، ثالثا: الحياة المكونة من مزارعين صغار مستقلين تمثل القاعدة الأساسية للمجتمع. رابعا: الزراعة من خلال استمرار المزرعة العائلية هي أحد المجالات القليلة الباقية التي يمكن من خلالها أن يعمل أعضاء الأسرة جنبا إلي جنب في علاقة خاصة كسدنة للبيئة وكحراس للأرض وللحيوانات الزراعية مع علاقة مقدسة مع الخالق سبحانه وتعالى. وبناءً على هذه القيم الأساسية تكونت نظرات قيمية أخرى مثل:
                     ‌أ.          المزارعون مواطنون أسوياء ويجب أن يسودوا التكوين البشري للمجتمع.
                   ‌ب.       يجب أن تكون الزراعة مشروعا عائليا.
                    ‌ج.        يجب أن تتاح الفرصة لأي شخص يريد أن يكون مزارعا ليكون كذلك.
                    ‌د.         يجب أن يكون المزارع مستقلا ورئيسا لنفسه.
                    ‌ه.         الزراعة ليست عملا تجاريا فقط وإنما هي طريقة حياة.
                    ‌و.         الشخص الذي يحرث الأرض هو الذي يجب أن يمتلكها.
                    ‌ز.         من الجيد أن نزرع نصلين من النجيل حيث كان ينمو نصل من قبل (بيرلبيرج Pearlberg، 1964: 3).
2.      الإيمان بأن الحياة الريفية في مصر والدول النامية لن تتوارى كما حدث في الولايات المتحدة وغرب أوروبا، وهي هناك لتبقى إلى مدى بعيد قد يرجع عنده الغرب نفسه إلى الحياة الريفية والمجتمعات الصغيرة كصورة من صورة اللامركزية الديموجرافية التي تمثل ملاذا ومهربا من التحضر وآثامه التي تتضخم بمعدلات هندسية متصاعدة. وهذا يعنى ضرورة عقيدة السياسيين والمخططين الوطنيين في التنمية الريفية والاهتمام الحقيقي بها وإزالة جميع مظاهر الإهمال وعدم التوازن بين التنمية الحضرية والتنمية الريفية من ناحية، والتنمية الزراعية واللازراعية من ناحية أخرى.
3.      القيمة الثالثة هي أن التنمية الريفية والزراعية لا يجب أن تنحصر فقط في الدلتا والوادي، بل من الضروري أن تمتد إلى سيناء بصفة خاصة والمناطق الصحراوية سواء المتاخمة للدلتا والوادي أو البعيدة عنهما. ويؤدي هذا إلى الانتشار السكاني مما يترتب عليه من رخاء اقتصادي ورفاء اجتماعي ورضاء نفسي وإصحاح جسدي نتيجة للإصحاح البيئي، والحلول موجودة ولا ينقصنا إلا الإرادة السياسية والالتزام الاستراتيجي.
4.      الإيمان بأن الاقتصاد ليس هو المعيار الوحيد للتنمية الزراعية، فالربح فقط ليس المعيار المحدد لسياسة التنمية الزراعية. وهنا يخطئ موشر Mosher على سبيل المثال في قوله بأن التنمية الزراعية تبدأ في المقام الأول بجعل الزراعة نشاطا مربحا منافسا. فالحقيقة أن الزراعة ليست أكثر الأنشطة الانتاجية ربحية والدليل على ذلك حال الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حيث يشغل المزارعون السلم الأدنى للمستوى الاقتصادي وترتفع نسبة من هم تحت خط الفقر ومع ذلك لا يهجرون مزارعهم العائلية لأن الزراعة طريقة حياة لهم لها من مقومات السعادة الأخرى ما يجذب المزارعين إلى البقاء في مهنتهم الزراعية. ولذلك يجب أن تتدخل الدولة كما تفعل الولايات المتحدة من خلال دعم الزراعة والمزارعين، ولولا ذلك لما استمرت الزراعة في أمريكا على الإطلاق، ولأصبحت أمريكا أكبر دول العالم استيرادا للمنتجات الزراعية بدلا من كونها أعلى دول العالم تصديرا لتلك المنتجات. ولذلك فيجب مراعاة العمل على تحقيق تلك المطالب المؤسسية:
‌أ.          التأكيد على الدعم الشامل للزراعة المصرية، خاصة وأن هناك العديد من الفوائد التى يمكن أن تعود على الدول النامية من دعمها لمستلزمات إنتاج الغذاء من الأسمدة والتقاوى عالية الإنتاجية والمبيدات وتسوية الترب الزراعية باستخدام تقنيات الليزر ودعم أسعار آلات الزراعة الآلية والحصاد والدراس الآلى. والملاحظ هنا أنه عندما اتجهت أمريكا إلى تطبيق الفكر الكلاسيكي أقرت لجنة فيدرالية برئاسة الاقتصادي العظيم جون كينيث جالبريث وأصرت على أن تكون الزراعة هي القطاع الوحيد الذي لا يجب أن يترك للسوق الحر، ويجب دعم هذا القطاع. وحتى الآن لازال هذا واقعا بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. ونظرا لمصالح النفوذ ورجال الأعمال لا زالت الدول النامية تهمل هذا القطاع وتتخلص من دعمه حتى أصبح الآن هذا الإهمال واقعا بصورة فجة، لدرجة أنه فى اجتماعات المؤتمر العالمى للتجارة الحرة الذى عقد خلال شهر يونيه 2009 طلبت الدول النامية وفى مقدمتها مصر من الدول المتقدمة إيقاف دعمها للزراعة وإنتاج الغذاء حتى تكون المنافسة عادلة عند تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق الغربية وتكون قادرة على منافسة المنتجات الزراعية الغربية وذلك بدلا من أن تقوم هي بدعم زراعتها ومزارعيها وهم الأحق والأهم. ولكن دول الجانب الغربى رفضت تماما هذا الأمر لأن سياسة دعم الغذاء لديها من الأمور الثابتة لدعم المزارعين الذين يعملون فى مهنة قليلة الربحية، وكذلك ضمانا لتوفير الأمن الغذائى لشعوب هذه الدول، ذلك لأن الأمن الغذائي يأتى فى مقدمة أولويات الدول الغربية على عكس الدول النامية التى وضعت مصالح أصحاب النفوذ ورجال الأعمال فى مقدمة أولوياتها تاركة أمنها الغذائى وتوفير الغذاء لشعوبها فى ذيل القائمة.
‌ب.       عدم ترك الزراعة لاستئثار كبار المستثمرين والشركات الزراعية وامتلاك الأراضي الزراعية مما سوف يؤدي إلى عدم العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الدخل واستنزاف المياه وتصحر التربة وتلوث الهواء وفساد المنتجات الزراعية بالمبيدات والأسمدة الكيماوية وانتشار الأوبئة والأمراض السرطانية.
‌ج.        أن تكون الزراعة معقولة من حيث الربحية وأن تكون جذابة اجتماعيا.
‌د.         خفض الضرائب على العقارات الزراعية.
‌ه.         د. تخفيض التكاليف الرأسمالية الزراعية للشباب الراغبين في الدخول في مجال الزراعية.
‌و.         إصلاح البنيان التسويقي غير العادل حاليا وذلك بالنسبة للمنتج الزراعي، وضرورة توفير وسائل مختلفة جديدة للتسويق الزراعي.
‌ز.         تحسين الرعاية الصحية والتعليمية للريفيين وكذلك البنية التحتية مثل الطرق والنقل والاتصال والكهرباء والماء والصرف الصحي.
‌ح.        ضرورة تخفيف العبء الدوري على المرأة الريفية في مواجهة مهامها الزراعية والمنزلية والمجتمعية المحلية.
‌ط.        مراجعة السياسة البيئية التي تتحكم في الزراعة والمزارعين.
‌ي.        إحياء الحركة التعاونية الزراعية من جديد من أجل التمكين الاجتماعي للمزارعين والاستفادة من قوة رأسمالهم الاجتماعي بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي من حيث الحصول على عناصر الإنتاج بأقل تكلفة ممكنة وتسويق منتجاتهم بطريقة تحقق العدل لهم كمنتجين وتحد من سطوة الوسطاء.
‌ك.        ضبط التكنولوجيا الحديثة والتدخلات الزراعية لتكون خادمة ليس أساسا لمعيار الربح النقدي وإنما لتكون خادمة لعمارة الأرض وصيانتها ورعاية الحيوانات والنباتات والمحافظة على البيئة الزراعية والعدالة الاجتماعية والعمل المقدس لعبادة المولى سبحانه وتعالي الذي استخلفنا لعمارة تلك المخلوقات الممثلة للحياة على الأرض بجانب الحياة المقدسة للجنس البشري نفسه.
‌ل.         الاهتمام بالبحث العلمي الزراعي، ذلك لأن الزراعة قد سقطت من أولويات الأجندة السياسية ليس في مصر فقط وإنما في معظم دول العالم. ومثال ذلك أنها لم تعد من الأولويات العليا في هيئة المعونة الدولية الأمريكية أو البنك الدولي أو في لقاءات مجموعة الدول العشر حيث لم تتمكن المجموعة الدولية الاستشارية للبحوث الدولية الزراعية (Consultative Group on International Agriculture Research – CGIAR) من الحصول على مقدار 300 مليون دولار سنويا للبحث الزراعي الذي ثبت بوضوح أنه أعظم الأنشطة البحثية نجاحا عبر التاريخ البشري العالمي إلا بشق الأنفس (IFPRI Report، فبراير 1996: 1).
5.      دعم اللامركزية وتنشيط المنظمات الأهلية، حيث يساهم ذلك في تحقيق صورة منظمة من صور المشاركة الشعبية التي أصبحت من أهم مقتضيات فعالية التنمية الزراعية والريفية بوجه عام. وقد كشفت الدراسات العديدة عن ضآلة المجهودات الأهلية في مجال تنمية المجتمع الريفي وذلك لانخفاض المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الريفية. وقد ذكرنا من قبل أن جهود التنمية المحلية الريفية تتركز في جمعيات التنمية أو الوحدة الاجتماعية المشتملة على جمعية تنمية المجتمع الريفي المحلي.
وتنتشر جمعيات التنمية في كافة أرجاء المجتمعات الريفية. وجمعيات التنمية حدث أنها حيثما تتواجد تقل الجمعيات الأهلية الأخرى، وهكذا يتضح أن الجمعيات الأهلية السائدة في الريف المصري هي جمعيات التنمية الخاصة بالمجتمع المحلى وذلك بالمقارنة بالمجتمعات الحضرية. ونتيجة لذلك يقل عدد الجمعيات الأهلية في المحافظات الريفية بالمقارنة بالمحافظات الحضرية مما يشير إلى الدور المتدني للجمعيات الأهلية في التنمية الريفية.

الفصل الثاني: الدور الحيوي للتنمية الزراعية
في تحقيق التنمية الحضرية والوطنية عامة
اعتماد التنمية الحضرية على التنمية الريفية والزراعية: لا يختلف اثنان على حاجة المجتمعات الحضرية التي تتزايد بمعدلات عالية جدا بالنسبة للمجتمعات الريفية إلى التنمية الزراعية من أجل إشباع حاجات الغذاء والكساء لسكان المجتمعات الحضرية سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أصحاء أو مرضى بسوء التغذية. هذا، وكما سبق القول، يتضخم حجم المجتمعات الحضرية بدرجة أكبر بكثير عن المجتمعات الريفية، فبحلول عام 2020 سيعيش أكثر من نصف الأفريقيين والآسيويين في المدن، وتبلغ تلك النسبة في أمريكا اللاتينية 80% للسكان الحضريين. هذا وقد بلغ معدل زيادة الفقراء في الهند منذ السبعينات وبداية الثمانينات في المناطق الحضرية بمقدار 15.2 مليون (26%) بينما لم يزد معدل زيادة الفقراء في المناطق الريفية إلا بمقدار 3.5 مليون نسمة (1%) فقط.
وبالرغم من هذه الصورة القاتمة للمجتمعات الحضرية إلا أن الكثير من واضعي السياسات قد غفلوا عن أهمية الغذاء والزراعة للمناطق الحضرية وسكانها وللتنمية الوطنية بوجه عام. وغالبا ما يستهلك الغذاء وحده حوالي نصف ميزانية الأسرة الحضرية الفقيرة.
وتمثل الزراعة ونظم الغذاء مصدر التشغيل والعمالة لهؤلاء القائمين بإنتاج ونقل ومعاملة وتسويق وبيع الغذاء في المناطق الريفية والحضرية على السواء، كما وجد أن المنشآت المتعلقة بالغذاء تمثل أكثر من 50% من المنشآت القائمة (IFPRI Report، 1996: 1). والأمر لا يقتصر على إفريقيا وآسيا بل يمتد إلى أمريكا اللاتينية شديدة التحضر حيث أنه في المناطق عالية التحضر هناك التي لا يمثل الإنتاج الزراعي فيها إلا 10% فقط من اقتصاد المنطقة يقوم النظام الزراعي والغذائي بما فيه الصناعات الزراعية بإنتاج 30% من الناتج الاقتصادي.
وقد وجد تقرير المعهد الدولي لبحوث سياسة الغذاء أن النمو الزراعي يعمل على تنمية المقتصد الوطني بكليته. فعندما يرتفع دخل المنتجين الزراعيين يقوموا حينئذ بالإنفاق على البنود غير الزراعية، وبالتالي يساعد ذلك على خلق فرص عمل في قطاعات المقتصد الأخرى بما فيها العاملون في المدن والمناطق الحضرية. وقد وجدت دراسات هذا المعهد أنه أمام كل دولار واحد زيادة في الإنتاج الزراعي في الدول النامية ينمو المقتصد الوطني كله بمقدار 2.32 دولار (المرجع السابق: 1).
هذا ويؤدي النمو الاقتصادي الحيوي في قطاع الزراعة والغذاء إلى عدم اضطرار السكان الريفيين الفقراء والعاطلين إلى الهجرة الحضرية بحثا عن العمل، وبالتالي يقل الضغط على المناطق الحضرية وبنيتها التحتية.
ويؤدي النمو الاقتصادي الزراعي الحيوي أيضا إلى انخفاض أسعار الغذاء والكساء للسكان الحضريين.
وفي هذا السياق، ومن أجل التنمية الحضرية يستطيع واضعو السياسات أن يقوموا ببعض الإجراءات من أجل تدعيم النمو الاقتصادي الزراعي والغذائي وربط الحضر بالريف من خلال مسارين أساسيين:
أولا- إزالة السياسات التي تفضل المستهلكين الحضريين على المستهلكين الريفيين وعلى حساب المناطق الريفية مثل تضخم معدلات التبادل Overvalued exchange rates، وتضخم الضرائب على تصدير المنتجات الزراعية بالإضافة إلى القيود التجارية الأخرى، والسياسات الخاصة بالدعم الذي قد يؤدي إلى بيع السلع الزراعية بأسعار أقل من قيمتها السوقية. 
ثانيا- مراعاة قضية التحول في الطلب على الغذاء الناتج عن ظاهرتي التصنيع والتحضر، حيث غالبا ما يقوم المستهلكون الحضريون بإحلال الحبوب التقليدية مثل الذرة السكرية والدخن Sorghum and millet بالأرز والقمح لسهولة الحصول عليهما وانخفاض أسعارهما، وهنا يجب على واضعي السياسات أن يساعدوا المنتجين الزراعيين على تعديل إنتاجهم ليقابل الطلب الحضري من خلال تحسين الطرق الريفية والأسواق الريفية ووسائل الاتصال وبالاستثمار في التعليم والصحة.
ويجب في النهاية مراعاة أن برامج شبكة الأمان (الدعم وغيره) لا يمكنها أن تزيل الفقر أو العطالة في الحضر حيث أنها مجرد مساعدات على المدى القصير ولمجرد البقاء وليس للتنمية. ومن هنا فعلى المدى الطويل لا يمكن إزالة الفقر وسوء التغذية في المجتمعات الحضرية والوطن بصفة عامة إلا من خلال السياسات التي تشجع النمو الشامل في التشغيل وزيادة الدخول في المناطق الريفية والحضرية على السواء ومراعاة المزايا الهائلة التي توفرها المناطق الريفية بنظمها الزراعية والغذائية للمناطق الحضرية.
وقد تبين أن التنمية الزراعية هي الأساس في أي تنمية اقتصادية شاملة لأنها تتميز عن غيرها من أشكال التنمية بأنها تحقق أعلى درجة من العدالة في توزيع الدخول. إلا أن التنمية الزراعية الناجحة لا تتحقق إلا من خلال الاستثمار في الطاقة البشرية والمؤسسية التي تولد المعرفة والتقنيات المناسبة والقيادات الصالحة التي تتمكن من القضاء على الفقر وسوء التغذية وتحقق العدالة والديمقراطية.
ودائما ما تكون الزراعة قضية حاضرة في سياسات الغذاء والتجارة الدولية وميزان المدفوعات ونظام استغلال الأراضي والمياه ومنتج أساسي للتصنيع الغذائي والكسائي. وبذلك يرتبط كل جانب من جوانب المقتصد الوطني بالزراعة، ولذلك فنجد أن النظام البنكي ووسائل الانتقال والضرائب والتعريفة الجمركية ونظام الدعم والأسواق المحلية والعالمية والصحة تمثل جميعها جزءًا من النظام الزراعي لأي دولة ولمصر بصورة خاصة. فالزراعة في مصر هي أعظم مستخدم للشعب المصري حيث يعمل بها 28% من قوة العمل المصرية وتساهم بمقدار 13.9% من الناتج الوطني الكلي عام 2005م.  ولكن للأسف الشديد لم تتمكن مصر من الاكتفاء الذاتي الغذائي حيث تعتبر مصر واحدة من أكبر الدول المستوردة للغذاء في العالم بالرغم من أن 95% من إنتاجها الغذائي يستهلك محليا بالرغم من التركيز المتزايد على المحاصيل النقدية للتصدير. ولولا المعيقات المؤسسية الناتجة عن قصور السياسة الزراعية المصرية لأمكن زيادة معدل النمو الزراعي بمقدار 5% على الأقل ولأمكن من خلال زيادة الإنتاجية والكفاءة والتنافسية أن توفر الزراعة 500 ألف فرصة عمل تساهم جذريا في مواجهة مشكلة البطالة.
وقد أثبتت دراسة معهد IFPRI سابق الذكر أعلاه أن الزراعة هي بالفعل الآلة الأساسية للنمو في إفريقيا (ألستون وآخرون Alston, et. al.: 2000) ، كما توصلت دراسات أخرى عديدة إلى نفس النتيجة (دياو وآخرونDiao et al.: 2006، بورجويجنون و موريسون Bourguignon, F., and Morrison, C.: 1998، جولين وآخرون Gollin et. al.: 2002، فان وآخرون Fan et. al.: 2004). وقد تبين من هذه الدراسات أنه بدراسة 62 دولة نامية اتضح مدى قوة التنمية الزراعية في زيادة النمو الاقتصادي الوطني حيث تبين أن التباين في الإنتاجية الزراعية يفسر 54% من تباين النمو في الناتج الوطني الكلي الفردي، وقد ترتب على هذه الزيادة في الكفاءة إطلاق قوة عاملة من الزراعة إلى القطاعات الأخرى مما تسبب في زيادة أخرى في الناتج الوطني الكلي مقدارها 29%، وأن الـ  17% الباقية كانت ناتجة عن الزيادات الأخرى غير الزراعية. كما تبين أيضا مقدار الفائدة العظمى من الاستثمار في التعليم العالي والمعاهد البحثية التي تولد المعرفة ذات الأثر الاقتصادي وخاصة في الزراعة،حيث أثبتت دراسة ألسون Alson سابق الإشارة إليها والتي قامت بدراسة 1800 معدل عائد على الاستثمار أن الاستثمار في البحث العلمي الزراعي كان 48% في السنة، وكان 62.9% بالنسبة لدراسات الإرشاد وهو استثمار مربح جدا بالنسبة للدول النامية.
الاختيار بين التنمية الزراعية والتنمية الحضرية: قد يتساءل البعض: هل يجب أن تركز مصر على التنمية الزراعية أم على التنمية الحضرية؟ المعروف أن التنمية الريفية والنمو الزراعي وليس النمو الحضري أو الصناعي هما اللتان تقللان الفقر وتزيدان من الطلب على العمالة. وتتسق هذه الحقيقة مع واقع آخر وهو أن الزراعة تدفع الطلب على العمل من خلال طلبها على السلع والخدمات المنتجة بصورة أساسية بواسطة القطاع غير الزراعي الريفي كثيف العمالة.
هذا ويعتمد النمو في الناتج الوطني الكلي بصورة أساسية على قدرة الاقتصاد على التوسع في إنتاج القطاعات القابلة للتجارة بينما يعتمد النمو في التشغيل ومواجهة البطالة بصورة أساسية على الزيادات في الطلب المحلي على القطاعات غير التجارية. وبذلك فعند التركيز على التنمية الزراعية والريفية فإنما يعني ذلك أن واضعي السياسات يتخذون التشغيل ومواجهة البطالة كأولوية أساسية، بينما عندما يقوم واضعو السياسات بالتركيز على القطاعات التجارية فإنما يعني ذلك أنهم يضعون زيادة الناتج الوطني الكلي كأولوية أساسية. وعادة ما تنمو القطاعات التجارية بصورة أساسية من خلال زيادة المخزون الرأسمالي بينما تنمو القطاعات غير التجارية من خلال التقدم والتغير التقني. ومع ذلك فإنه لمن قصر النظر أن نعامل الفقر الريفي من ناحية والفقر الحضري من ناحية أخرى على أنهما قضيتان مستقلتان متنافستان، فالواقع هو أن التنمية الريفية الناجحة هي التي عادة ما تدعم وتنشط التنمية الحضرية، والعكس صحيح حيث أن النمو الحضري هو أيضا منشط قوي لإنتاج الغذاء وخاصة من خلال صغار المزارعين. ولكن سنبقي دائما نبحث عن حلول عملية إبداعية من خلالها نستطيع مواجهة التضخم الحضري المتزايد ليس في مصر وحدها وإنما في إفريقيا وآسيا كلها حيث يتوقع أن يزيد السكان الحضريون من 1.7 بليون نسمة إلى 3.4 بليون نسمة (الضعف تماما) خلال ثلاثين عاما فقط، هذا في ظل تناقص الموارد المتاحة. وهنا نعود ونقول كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل سياسة وطنية لا تؤمن بالطبيعة المؤسسية للتنمية من ناحية، ولا تؤمن بصورة خاصة بأهمية العلم والبحث العلمي وتطبيقه؟ والدليل على ذلك ما ظهر في تقرير التنمية البشرية 2007/2008م حيث بلغت حصة البحث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي في أعلى دولة عربية وهي الكويت 0.2% سنويا في حين تصل هذه النسبة إلى 4.5% في إسرائيل، وعلى المستوى العالمي تصل إلى 2.3%.






الفصل الثالث: الزراعة العضوية والمصالحة البيئية
الاستغلال الصحيح للتربة: تعتبر مصر نظرا لتزاحمها السكاني من أكبر دول العالم اعتداءً واستنزافا للتربة بمختلف الوسائل، والإحصائيات حول ذلك مفزعة لدرجة أنه تطرف البعض متوقعا أنه بحلول عام 2060 سوف تخلو مصر تقريبا من الأراضي الزراعية. وتعتبر الأرض بلا شك من أعظم الموارد المادية، فإذا عرفت الكيفية التي يستغل بها مجتمع معين أرضه فإنك سوف تقرر إلى حد كبير صورة مستقبل هذا المجتمع. الأرض تحمل طبقة التربة العليا. وتحمل هذه الطبقة نوعيات مختلفة من الكائنات الحية بما فيها الإنسان. لقد نشر توم  ديل  Tom Dale  و  فيرنون  كارتر  Vernon  Gill Carter  وهما عالمان جد خبيرين في علم البيئة كتابا في عام 1955م سمياه "التربة العليا والمدنية"  Topsoil  and Civilization ولا أفضل من ذكر بعض مقاطعه الافتتاحية:
 "لقد تمكن الإنسان المتحضر في غالب الأحيان من أن يصبح سيدا لبيئته مسيطرا عليها ولكن لفترات محدودة. وقد نجمت مشكلاته الرئيسية من غروره وأوهامه أن تلك السيطرة الوقتية ستكون دائمة مستمرة. لقد اعتقد أنه "سيد العالم" في الوقت الذي فشل فيه في فهم قوانين الطبيعة فهما كاملا." (Dale and Carter: 1955)
الإنسان -متحضرا كان أم بدائيا- هو ابن للطبيعة وليس سيدا لها. يجب أن يوافق أفعاله مع قوانين طبيعية معينة إذا ما أراد أن يحافظ على هيمنته على البيئة. وإذا ما أراد أن يراوغ قوانين الطبيعة فإنه عادة ما يدمر البيئة الطبيعية التي يقوم عليها وجوده. وعندما تتدهور بيئته بسرعة فإن حضارته تنحدر كذلك.
لقد وصف قائل من قبل مجرى التاريخ بقوله "لقد سار الإنسان المتحضر عبر وجه الأرض تاركا من ورائه صحراء في مواضع قدميه." قد تكون هذه العبارة مبالغا فيها إلا أنها لا تخلو من أساس. لقد جرف الإنسان المتحضر معظم الأراضي التي عاش عليها طويلا. وهذا هو السبب الرئيسي وراء تنقل حضاراته من مكان لآخر. وكان ذلك أيضا السبب الأساسي وراء انحدار حضاراته في المناطق المستقرة القديمة. وكان ذلك أيضا العامل المهيمن وراء كل التحولات التاريخية.
ونادرا ما ذكر المؤرخون أهمية استغلال التربة. إذ يبدو أنهم لم يدركوا أن مصائر معظم الإمبراطوريات والحضارات كانت تتحدد أساسا بطريقة استغلال التربة. وفي الوقت الذي كانوا يدركون فيه أهمية تأثير البيئة على التاريخ فإنهم لم ينجحوا في الإشارة إلى أن الإنسان عادة ما كان يغير أو ينهب بيئته ويستنزفها.
كيف كان ينهب ذلك الإنسان المتحضر تلك البيئة المفضلة؟ كان يفعل ذلك أساسا باستنفاد وتخريب الموارد الطبيعية. فقد قطع أو حرق معظم الأشجار الخشبية القابلة للاستعمال في الغابات الجبلية والأودية. وقد أدى رعيه الجائر إلى تعرية المراعى التي كانت تغذى قطعانه. قتل معظم الحياة الفطرية وكثيرا من الأسماك والحياة المائية الأخرى. وقد سمح للتصحر والتآكل أن يجردا مزارعه من طبقة التربة العلوية المنتجة. لقد سمح لتربته المنجرفة أن تكتم المجارى المائية وأن تملأ خزاناته وقنوات ريه وموانيه بالطمي. وقد استهلك أو أهلك في كثير من الحالات معظم المعادن التي يحتاج إليها. ثم انحدرت بعد ذلك حضارته في خضم تدميره لوجوده الذاتي وإلا فكان يهاجر إلى أرض جديدة. لقد سلكت حضارات بلغ عددها بين العشرة والثلاثين هذا المسلك حتى حاق بها الفناء (ويتوقف العدد على من يصنف تلك الحضارات.)
يبدو أن "المشكلة الإيكولوجية" ليست جديدة كما تبدو لنا في الغالب، إلا أن هناك تطورين أساسيين جديدين  :
1.      الأرض  الآن أكثر ازدحاما بكثير بالسكان  عما كانت عليه في القديم، كما لا توجد هناك أراضى  جديدة يمكن الهجرة إليها .
2.      لقد ازداد معدل التغير المتسارع بدرجة هائلة وخاصة خلال الخمسة وعشرين عاما الماضية .
ولا يزال من المعتقدات السائدة اليوم أن الحضارة الغربية المعاصرة قد حررت نفسها من الاعتماد على الطبيعة وذلك بصرف النظر عما حدث للحضارات السابقة من قبل. ومن الأقلام المعبرة عن هذه العقيدة  إيوجين  رابينوفتش  Eugene  Rabinowitch   رئيس تحرير مجلة العلماء الذريين  Bulletin of Atomic Scientists الذي يقول في مجلة التايمز  The Times  في 29 إبريل 1972 "إن الحيوانات الوحيدة التي قد يمثل اختفاؤها تهديدا للحيوية البيولوجية للإنسان على الأرض هي البكتريا التي تستوطن أجسامنا طبيعيا. وأما  بالنسبة لبقية الحيوانات فليس هناك برهان مقنع لعدم قدرة الإنسان على البقاء بدونها حتى ولو أصبح هو الجنس الوحيد على الأرض. وإذا توصلنا  إلى طرق اقتصادية لتركيب الطعام من المواد الخام  غير العضوية - وهو شئ متوقع حدوثه عاجلا أو آجلا - فإن الإنسان قد يصبح مستقلا حتى عن النبات كذلك، ذلك النبات الذي يعتمد عليه الآن كمصدر للطعام."
يقول رابينوفيتش "إني أرتعد شخصيا لمجرد تصور بيئة تخلو من الحيوان والنبات ويشاركني في ذلك كما أعتقد الغالبية العظمى من الجنس البشرى. إلا أن ملايين السكان في الغابات الحضرية في نيويورك وشيكاجو ولندن وطوكيو قد تربوا وقضوا حياتهم كلها في بيئة معدومة الأحياء (إذا ما صرفنا النظر عن الفئران والجرابيع والصراصير وغيرها من الأجناس المزعجة) ومع هذا فقد استمروا في البقاء والحياة."
 ما هو المنطقي وما هو القدسي؟ هل الإنسان سيد للطبيعة أم هل هو ابن لها؟  إذا أصبح "من الاقتصاديٍ" تركيب طعام من مواد غير عضوية "وهو كما قيل أمر متوقع عاجلا أو آجلا" وإذا أصبحنا مستقلين عن النبات فإن الرابطة بين التربة العليا والحضارة سوف تنقطع . أليس كذلك؟ إن هذه الأسئلة تشير إلى أن قضية "الاستغلال الصحيح للتربة" تطرح مشكلة ميتافيزيقية أو فوق طبيعية وليست مشكلة تقنية أو اقتصادية. إنه لمن الواضح أن القضية تنتمي إلى مستوى من التفكير المنطقي أعلى مما تمثله النصوص السابقة.
هناك دائما أشياء نعملها من أجل ذاتها، وهناك أشياء أخرى نعملها من أجل أغراض أخرى. إن من أعظم الواجبات التي يواجهها أي مجتمع التمييز بين الغايات ووسائل تحقيق الغايات، ثم تحقيق نوع من النظرة التوحيدية والتوافق حول ذلك. هل الأرض مجرد وسيلة للإنتاج أم أنها شئ أكثر من ذلك؟  أي شئ هو غاية في حد ذاته ؟ وعندما نقول "الأرض" فإننا نعني شمولها على المخلوقات التي تعيش عليها.
إن أي شئ نعمله من أجل ذاته لا يخضع نفسه للحسابات النفعية. فعلى سبيل المثال يحاول معظمنا أن يكون نظيفا بدرجة مقبولة. لماذا؟ هل لمجرد أسباب صحية؟ لا، إن الجانب الصحي ثانوي. فإننا نقدر النظافة كقيمة في حد ذاتها. إننا لا نحسب قيمتها بالحساب الاقتصادي، بل إنه قد يقال أن الاغتسال غير اقتصادي، إنه يكلف مالا ووقتا ولا ينتج شيئا غير النظافة. هناك أنشطة كثيرة ليست اقتصادية على الإطلاق، ولكنها تنفذ من أجل ذاتها. إن لدي الاقتصاديين أسلوبا بسيطا للتمييز بينها إذ يقسمون الأنشطة الإنسانية بين "الإنتاج" و "الاستهلاك". أي شئ ننفذه تحت عنوان "الإنتاج" يخضع للحساب الاقتصادي، وأي شيء ننفذه تحت عنوان "الاستهلاك" لا يخضع لذلك. ولكن الحياة الواقعية ترفض هذه التقسيمات بشدة لأن الإنسان المنتج هو نفسه الإنسان المستهلك الذي ينتج دائما ويستهلك في نفس الوقت.
إننا ننتج لكي نقوى على توفير تسهيلات ووسائل معينة للراحة لنا "كمستهلكين." أما إذا طلب شخص معين هذه التسهيلات وتلك الراحة أثناء قيامه بعملية "الإنتاج" فإنه يقال له أن هذا الطلب غير اقتصادي وأنه غير كفء. إن المجتمع لا يتحمل مثل هذا الإهدار. وبمعنى آخر، فإن كل شئ يقوم به يعتمد على ما إذا كان يقوم به كمنتج أو إذا ما كان يقوم به كمستهلك. إذا سافر الإنسان كمنتج بالدرجة الأولى أو مستعملا سيارة فارهة فإنه يطلق على ذلك إهدار للمال. ولكن إذا ما نظر للإنسان بالنسبة لنفس العمل كمستهلك فإن هذا يعتبر علامة على ارتفاع مستوى المعيشة.
تتضح هذه الثنائية في أجل صورها في قضية استغلال الأرض أو التربة. يعتبر المزارع ببساطة منتجا، ولذلك فعليه أن يدنى من تكاليفه ويرفع من كفاءته بكل وسيلة ممكنة حتى ولو أدى ذلك - بحكم كيانه الاستهلاكي- إلى إهلاك صحة التربة وجمال البيئة الطبيعية، وحتى لو ترتب على ذلك  تفريغ السكان من الأراضي الريفية والتكدس السكاني في المدن. هناك اليوم كبار من مزارعي المحاصيل الحقلية والمحاصيل البستانية ومصنعي الأغذية لا يلجئون إلى مجرد التفكير في استهلاك منتجاتهم. إذ يقولون أنهم  "محظوظون  لأن لديهم ما يكفى من المال مما يمكنهم من شراء منتجات الزراعة العضوية التي لم تستخدم فيها السموم." وعندما يسألون عن سبب عدم قيامهم هم بالزراعة العضوية  يجيبون  بأنهم لا يقدرون على ذلك. فما يستطيع أن يقدر عليه الإنسان كمنتج شيء، وما يقدر عليه الإنسان كمستهلك شئ آخر تماما. وحيث أن الإنسان واحد في الحالتين فإن قضية ما يقدر عليه الإنسان حقا وما يقدر عليه المجتمع بالفعل  لتثير غموضا وإبهاما  أبديا.
ولا مفر من هذا الغموض وذلك الإبهام طالما لا زالت الأرض وما عليها من مخلوقات ينظر إليها على أنها ليست إلا "عوامل للإنتاج." إنها بالفعل عوامل للإنتاج - أي وسائل لغايات - ولكن هذا إن هو إلا أمر ثانوي لا يعبر عن طبيعتها الأولية. فأولا وقبل كل شئ الأرض وما عليها غايات في حد ذاتها، إنها مما وراء الاقتصاد  أو ما فوق الاقتصاد، ومن ثم فمن المقبول منطقيا أن نقول حقيقة مؤداها أن الأرض مقدسة. الأرض ومن عليها ليست من خلق الإنسان، ومن ثم فإنه من غير المنطقي بل وإنه من الجنون أن يعامل الإنسان ما لم يخلقه، وما لا يستطيع خلقه، وما لا يستطيع إعادة خلقه بعد تدميره بنفس الطريقة وبنفس الروح  اللتين يستطيع بهما أن يعامل الأشياء التي هي من صنعه.
الحيوانات العليا لها قيمة اقتصادية بسبب فائدتها، ولكنها تمتلك أيضا قيمة فوق اقتصادية في حد ذاتها. إذا امتلكت سيارة، وهى من صنع الإنسان، فقد أدعى ومعي الحق أن أفضل طريقة لاستغلالها هو ألا أهتم بصيانتها إطلاقا وأستمر ببساطة في استخدامها حتى تعطلها تماما. قد يكون ذلك نتيجة لحساب  اقتصادي يسعى للكفاءة. ولا أحد يستطيع انتقادي لو صدقت حساباتي إذ لا يوجد أمر قدسي حول مصنوعة من صنع الإنسان مثل السيارة. ولكن لو امتلكت مخلوقا حيا، عجلا كان أو دجاجة، وهو مخلوق حساس حي فهل يسمح لي أن أعامله على أنه منفعة فقط؟ هل يسمح لي أن أستعمله حتى دماره؟
إن دخول الإنسان في علاقة خاطئة مع الحيوانات وخاصة تلك التي طال استئناسها يعتبر في نظر جميع التقاليد المعروفة عملا رهيبا وخطيرا للغاية. لم يوجد من قبل في التاريخ حكماء أو رجال قديسون كانوا قساة مع الحيوانات أو ينظرون إليها كمجرد نفعيات، بل بلغت القصص والأساطير التي تربط بين الطهارة والسعادة من ناحية وحب المخلوقات الأدنى من ناحية أخرى أعدادا لا حصر لها.
إنه لمن العجيب أن يقال باسم العلم عن الإنسان المعاصر أنه ليس إلا مجرد قرد عاري أو أنه تنظيم خلق بالصدفة من الذرات. يقول الأستاذ جوشوا  ليدربيرج   Joshua  Lederberg    في كتاب  وولشتنهولم (Wolstenholme, ed., : 1963) "الآن يمكن أن نعرف الإنسان وراثيا أو نشوئيا على الأقل "إنه ستة أقدام من تتابع جزيئي معين من ذرات الكربون والأيدروجين والأكسيجين  والنيتروجين والفسفور"، فبينما ينظر الإنسان المعاصر إلى نفسه بتلك الوضاعة والتدني فإنه ينظر إلى الحيوانات التي تشبع حاجاته بدرجة أعلى من الوضاعة والتدني ويعاملها كما لو كانت آلات. إلا أن هناك أناسا آخرين أقل حداثة من الإنسان المعاصر - أو أقل فجورا - يأخذون اتجاها آخر.  إذ يقول إتش فيلدنج  هولH. Fielding  Hall    (1920) في بورما:
بالنسبة للبورمانيين  إن الرجال رجال، والحيوانات حيوانات، ولكن الرجال أرقى بكثير. ولكن الإنسان البورمي لا يعتمد على تلك الفوقية الخاصة بالإنسان ليستبيح سوء معاملة الحيوانات وقتلها. إنه العكس تماما. فإن على الإنسان بسبب علوه الكبير على الحيوان أن يعتني بالحيوان ويوليه أعلى رعاية ممكنة ويحبه إلى أقصى درجة ممكنة وأن يكون طيبا معه بكل وسيلة ممكنة. إن الشعار البورمى هو هذا  الالتزام  الخلقي النبيل.
ما ينطبق على الحيوانات التي توجد على الأرض ينطبق ودون نقص في العواطف على الأرض أي التربة نفسها. إنه بالرغم من تكرار تخريب التربة وخصوبتها بسبب الجهل والطمع لدرجة اندحار حضارات بأكملها فإنه لم توجد تعاليم تقليدية لم تقر القيمة فوق الاقتصادية للأرض وأهمية تلك "الأرض الكريمة". وحيثما اعتنقت هذه التعاليم وترعرعت بلغت الزراعة درجات من الصحة والاكتمال ومعها جميع عوامل التمدين والتحضر. والعكس صحيح، إذا مرضت التربة مرضت معها جميع عوامل التمدين حيثما ظن الناس أنهم لا يستطيعون العناية بالتربة والعمل مع الطبيعة.
إن الخطر الذي يهدد التربة في العصر الحالي وليس معها الزراعة فقط إنما يهدد الحضارة كلها وهو ينشأ من تصميم رجل المدينة على أن يطبق على الزراعة نفس أسس ومعايير الصناعة. تتجلى هذه المبادئ في أوضح صورها في خطة الدكتور سيكو  إل  مانشولت Dr. Sicco L.  Mansholt    للزراعة الأوربية وذلك بصفته نائب رئيس التجمع الاقتصادي الأوربيEuropean Economic Community. إنه يعتقد أن المزارعين"جماعة لم تستوعب بعد التغيرات السريعة في المجتمع." يجب أن يتحرر معظمهم من الزراعة ويتوجهوا  للعمل في المدن كعمال صناعيين، وذلك لأن "عمال المصانع والبناء  والأعمال الإدارية يعملون خمسة أيام فقط في الأسبوع ويمنحون أسبوعين إجازة سنوية بالفعل. وفى القريب العاجل ربما يعملون أربعة أيام فقط ويمنحون أربعة أسابيع إجازة سنوية. أما الفلاح فقد منى ببلاء  العمل سبعة أيام في الأسبوع لأن البقرة ذات الخمسة أيام لم تخترع بعد، كما أنه لا يحصل على إجازة على الإطلاق."  وعلى ذلك فقد صممت خطة مانشولت لتحقيق اندماج الكثير من المزارع الصغيرة بأسلوب إنساني وبأسرع ما يمكن وتكوين وحدات زراعية كبيرة تدار كما لو كانت مصانعا، كما صممت أيضا لتحقيق أقصى خفض ممكن في سكان المجتمع الزراعي. وتعطى المعونة  "لتمكن المزارعين ككبار السن والأصغر كذلك لهجرة الزراعة" (Mansholt: 1967).
وتعتبر الزراعة عند مناقشة خطة مانشولت إحدى "الصناعات" الأوربية. وهنا يبرز التساؤل، هل الزراعة في الحقيقة صناعة أم أنها شئ مختلف تماما؟ ولا عجب أن هذا السؤال لم يتبادر إلى الاقتصاديين والتقنيين على السواء وذلك لأنه سؤال ميتافيزيقي  أو فوق طبيعي أو فوق اقتصادي.
"الأساس" الرئيسي للزراعة هو أنها تتعامل مع الحياة، أي تتعامل مع المادة الحية. إن مردوداتها هي نتاج لعمليات حيوية ووسائل إنتاجها هي التربة الحية. يحتوى السنتيمتر المكعب من التربة مليارات من الكائنات الحية يقف استكشافها الكامل على أبعد مما تقوى عليه القدرات الإنسانية. و"الأساس" الرئيسي للصناعة الحديثة على النقيض الآخر هو أنها تتعامل مع عمليات من تصميم الإنسان وتعمل بثقة فقط عندما تطبق على مواد غير حية هي أيضا من تصميم الإنسان.
إن جوهر الصناعة هو التخلص من المواد الحية. المواد الصناعية تفضل عن المواد الطبيعية وذلك لأننا نستطيع أن نتحكم فيها لتصل إلى مواصفات قياسية مرغوبة تماما.كذلك فإن الآلات التي هي من صنع الإنسان تعمل بثقة أكبر وتنفع بدرجة أفضل من عمل الكائنات الحية كالإنسان أو الحيوان. إن جوهر الصناعة هو التخلص من العامل الحي، حتى بما فيه الإنسان نفسه، وتحويل العملية الإنتاجية إلى الآلات، مثلما يعرف ألفريد نورث هوايتهيدAlfred North  Whitehead  الحياة  "كهجوم موجه ضد الميكانيزمات  أو الآليات الكونية الرتيبة" فإننا يمكننا تعريف الصناعة الحديثة بأنها "هجوم موجه ضد عشوائية الطبيعة الحية بما فيها الإنسان وعدم توقيتها  المنضبط وتسيبها العام وعدم القدرة على التحكم فيها."
وبتعبير آخر، لا شك في تناقض "الأسس" الرئيسية لكل من الصناعة والزراعة. إن الحياة العملية تحتوى على توترات تنتج عن عدم التوفيق بين المتناقضات التي نحتاج لكل منها. فالمتناقضات هي التي تعطى معنى للحياة، فكما لا تعنى الحياة شيئا بدون الوفاة فكذلك لا تعنى الزراعة شيئا دون الصناعة. فالزراعة في الحقيقة أولية بينما نجد أن الصناعة ثانوية، بمعنى أن الحياة الإنسانية يمكن أن تستمر دون الصناعة، بينما لا يمكنها أن تستمر دون الزراعة. وتتطلب الحياة الإنسانية المتحضرة توازنا بين أساسين، يختل هذا التوازن إذا لم يقدر الناس الفروق الأساسية بين الزراعة والصناعة - وهى فروق تبلغ مستوى الفروق بين الحياة والوفاة - كما يختل هذا التوازن عند محاولة التعامل مع الزراعة كصناعة أخرى.
إن هذا القول معروف بطبيعة الحال . وقد ذكره بحنكة مجموعة من الخبراء العالميين المرموقين في "مستقبل الزراعة الأوروبيةA Future for European Agriculture":
تمتلك المناطق المختلفة من العالم مزايا واسعة الاختلاف بالنسبة لإنتاج نوعيات معينة من المنتجات وذلك حسب اختلاف المناخ ونوعية التربة وتكاليف العمل. إن جميع الدول تستفيد من تخصص العمل في تركيزها على العمليات الزراعية الإنتاجية التي تدر عليها أعلى العوائد. ويؤدى هذا إلى دخول زراعية أعلى وتكاليف أدنى بالنسبة للاقتصاد الوطني الكلى وخاصة في الصناعة. لا يوجد هناك تبرير منطقي أساسي للحماية الزراعية (المرجع السابق).
إذا صح ما سبق ذكره  لكان من غير المعقول إطلاقا أن تكون الحماية الزراعية عبر التاريخ هي القاعدة وليست الاستثناء. لماذا لا ترغب معظم الدول في معظم الأوقات في الحصول على هذه الميزات الكبيرة من هذه الوصفة البسيطة؟ الإجابة تتمثل في وجود أمور أكثر في العمليات الزراعية من مجرد إنتاج الدخول وخفض التكاليف، إذ هناك العلاقة الكلية المتكاملة بين الإنسان والطبيعة، وهناك نمط المعيشة الكلى السائد في المجتمع وهناك الصحة والسعادة وتوافق الإنسان بالإضافة إلى جمال المحيط البيئي. إذا أهملت جميع هذه الأمور في إطار نظرة الخبراء فإن الإنسان نفسه يكون قد تم إهماله حتى ولو حاول الخبراء أن يرجعوه مرة أخرى بادعائهم أن المجتمع لابد أن يعوض عن "العواقب الاجتماعية" لسياستهم. يقول الخبراء أن خطة مانشولت "تمثل مبادرة جريئة"، حيث إنها تعتمد على اعتناق مبدأ أساسي: لا يمكن الحفاظ على الدخل الزراعي إلا بإسراع الخفض في عدد السكان الزراعيين ووصول حجم المزارع إلى الحجم الاقتصادي الصحيح."  ويقال أيضا:
"الزراعة، ولو في  أوروبا على الأقل، توجه أساسا ٍإلى الإنتاج الزراعي  ... فمن المعروف جيدا أن الطلب على الغذاء يزداد ببطء نسبى مع الزيادة في الدخل.  وهذا يؤدى إلى معدل أبطأ للدخل الزراعي إذا ما قورن بمعدل الزيادة في الدخل الصناعي، ولذلك فلا يمكن تحقيق زيادة في دخل الفرد الزراعي والحفاظ عليها إلا بتحقيق خفض كاف في أعداد السكان الزراعيين ." ..."هذه القرارات تبدو حتمية: تحت الظروف الطبيعية في الدول المتقدمة الأخرى حيث يمكن إشباع الحاجات المجتمعية بثلث المزارعين الموجودين حاليا فقط (المرجع السابق)."
لا يوجد هناك استثناءات حقيقية للعبارات السابقة إذا ما قبلنا واتخذنا - مثلنا كمثل الخبراء - الموقف الميتافيزيقي للمادية الغشيمة التي تتخذ التكاليف النقدية والدخول النقدية كمعايير ومحددات نهائية للسلوك الإنساني والتي لا تنظر إلى العالم الحي إلا على أنه منجم معد للاستغلال.
وإذا اتخذنا منظارا أعرض فإننا نرى الأرض كأصل رأسمالي لا يقدر بثمن،  على الإنسان أن "يزينها ويصونها" من أجل سعادته. إننا نتفق تماما مع العالم الاقتصادي القدير شوماخر Schumacher (1989) عندما يقول إننا نستطيع القول إن  إدارة الإنسان للأرض يجب أن توجه أساسا لتحقيق أهداف ثلاثة - الصحة والجمال والاستدامة. أما الهدف الرابع - وهو الوحيد الذي يقبله الخبراء - وهو الإنتاجية فإنه سوف يتم تحقيقه إلى حد كبير كناتج ثانوي. إن الإنسان المادي الغشيم ينظر إلى الزراعة "على أنها توجه أساسا للإنتاج الغذائي." ولكن النظرة الأعرض ترى ضرورة تحقيق الزراعة للواجبات الثلاث التالية:
1.      المحافظة على معايشة الإنسان وتواصله مع الطبيعة الحية التي ينتمي إليها وسيبقى جزءًا حساسا منها للغاية.
2.      تشجيع وترقية الإنسانية والنبل في خصائص المحيط البيئي الأعرض للإنسان.
3.      توفير الأغذية والمواد الأخرى اللازمة للبقاء الحيوي.
إنه لمن المعتقد أن الحضارة التي لا تعترف إلا بالهدف الثالث والتي تسعى إليه بكل عنف وبطش لا تمنع مجرد عدم تحقيق الهدفين الأوليين بل وإنها لا تمتلك أية فرصة للاستدامة والبقاء.
إننا نفخر اليوم بأن نسبة السكان الممتهنين للزراعة قد انخفضت إلى مستويات متدنية جدا ولا زالت تستمر في الانخفاض. تنتج بريطانيا حوالي 60% من احتياجاتها الغذائية في الوقت الذي يعمل فيه 3% فقط من سكانها في المزارع. وفى الولايات المتحدة كان لا زال هناك 27% من السكان يعملون في الزراعة عند نهاية الحرب العالمية الأولي، وكذلك كان هناك 14% عند نهاية الحرب العالمية الثانية. أما في عام 1971م فالتقديرات تشير إلى 4.4% فقط والآن حوالي 2% فقط. هذه الانخفاضات في نسبة الممتهنين للزراعة يرافقها بصورة عامة هجرة جماهيرية من الأرض وتضخم في المدن. وفى نفس الوقت - كما يقول ماريي بوكتشن:
تنهار الحياة الحضرية سيكولوجيا واقتصاديا وحيويا. لقد أقر ملايين الناس هذا الانهيار مصوتين بأقدامهم، حيث حملوا أمتعتهم ورحلوا. والذين لم يستطيعوا قطعوا علاقاتهم بالحضر قد حاولوا ذلك على الأقل. وهذا عرض أو مظهر اجتماعي مهم (Bookchin: 1963).
يقول بوكتشن أن المواطن الحضري في المدن الكبيرة أكثر عزلة من أسلافه الذين كانوا يعيشون في المناطق الريفية. "لقد بلغ رجل المدينة في الحواضر المعاصرة درجة من التغيبAnonymity  والتجزؤ أو التضاؤل الاجتماعي والعزلة الروحية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني."
إذن فماذا يفعل؟ إنه يحاول في الضواحي ويسافر يوميا لمقر عمله. السكان الريفيون يهربون من الأرض والريف لانهيار الثقافة وطرق المعيشة الريفية، والسكان الحضريون يهربون من المدن لانهيار طريقة الحياة الحضرية. يقول دكتور  مانشولت  "لا أحد يستطيع أن يتجنب السلوك الاقتصادي" وتكون النتيجة أن تصبح المعيشة في كل مكان غير محتملة إلا بالنسبة للغارقين في الثراء.
إننا نتفق مع  بوكتشن  في قوله "لم يعد التواؤم بين الإنسان والعالم الطبيعي مجرد أمر مرغوب ولكنه أصبح ضرورة حتمية." ولا يمكن أن يتم ذلك بالسياحة أو تأمل المناظر الطبيعية أو من خلال أنشطة وقت الفراغ الأخرى، وإنما لا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال تغيير البنيان الزراعي في الاتجاه المعاكس تماما لما يقترحه دكتور مانشولت الذي أيده الخبراء كما سبق الذكر أعلاه. فبدلا من أن نبحث عن الوسائل التي تشجع على سرعة هجرة الزراعة يجب أن نبحث عن السياسات اللازمة لإعادة بناء الثقافة والمعيشة الريفية وأن نفتح الزراعة كمجال مهني للتكسب لأعداد أكبر من الناس سواء كان ذلك بعض الوقت أو كل الوقت  وأن نوجه جميع أعمالنا على الأرض نحو الثلاثية النموذجية  الصحة والجمال والاستدامة .
إذا كان "الجمال هو رونق الحقيقة وبهاؤها" فإن الزراعة لا يمكنها تحقيق واجبها الثاني وهو تشجيع وترقية الإنسانية والنبل في المحيط البيئي الأعرض للإنسان  إلا إذا تمسكت والتصقت تماما بالحقائق التي تتمثل في العمليات الحيوية للطبيعة. من هذه الحقائق قوانين ثلاثة، أولها هو قانون العودة والتحول الطبيعي، والآخر هو التنوع نقيض الزراعة الأحادية، ولا زال هناك آخر وهو اللامركزية الذي يسمح بالاستفادة حتى بالموارد الرديئة التي ليس من المنطقي نقلها إلى مسافات بعيدة. وهنا مرة أخرى نجد العكس في مجريات الأمور وفي نصائح الخبراء إذ يوصون بالتوجه نحو التصنيع وإزالة النزعة الشخصية من الزراعة كما يوصون بالتوجه نحو المركزية والتخصص وكل ما هو يعد بتوفير العمل والعمالة. وبدلا من الإنسانية والنبل ينتج عن كل ذلك ما يجعل المحيط البيئي الإنساني موحشا بل ومنحطا لدرجة القبح.
يحسب الخبراء السابقون "عبء" الدعم الزراعي في "مجتمع الستة" لما "يقرب من 3% من الناتج الوطني الكلى، " وهو مقدار يعتبرونه "غير ممكن تجاهله". إذا قدر لمعدل النمو السنوي للناتج الوطني الكلى أن يكون أكثر من 3% فقد يمكن الظن بأن هذا العبء يمكن تحمله دون صعوبة، ولكن الخبراء يشيرون إلى أن "الموارد الوطنية توجه إلى الاستهلاك الشخصي بدرجة كبيرة وكذلك إلى الاستثمارات والخدمات العامة... وباستعمال هذه الموارد الضخمة لدعم أنشطة متقلصة، سواء في الزراعة أو في الصناعة، فإن المجتمع تفوته فرصة القيام بالتحسينات الضرورية في المجالات الأخرى (المرجع السابق) ". وبالرغم من هذه النصائح "غير العبقرية" والتي ظهرت في الستينات، فإن هذه الدول لا زالت تدعم الزراعة والمزارعين لأنها أدركت أن هذه النصائح كانت هراءً ومراهقة اقتصادية غشيمة، وقد أدى مخالفة تلك النصائح إلى أن هذه الدول (أمريكا وأوروبا الغربية) هي التي لا زالت تعتبر سلة غذاء العالم وهي التي تتفوق على دول العالم الأخرى في تصدير المنتجات الزراعية غذائية كانت أم كسائية.
ليس لدينا شك في أن الاتجاه الفظ الاستنزافي نحو الأرض وما عليها من حيوانات ينتج عن كثير من الاتجاهات ويرتبط بها، اتجاهات مثل تلك التي تقود إلى التطرف والتغير السريع والانبهار بالمستحدثات التقنية والتنظيمية والكيميائية والحيوية وغير ذلك. إذا أمكننا العودة إلى الاعتراف الكريم بالقيم فوق الاقتصادية ستعود أراضينا وبيئتنا صحية وجميلة مرة أخرى وسوف يستعيد أقوامنا عزة الإنسان وكرامته، ذلك الإنسان الذي يعلم رقى نفسه ولكنه لا ينسى الالتزام النبيل نحو البيئة .
الزراعة الحيوية أو العضوية:  تتسم الزراعة الحديثة أو الزراعة المعتادة أو الزراعة المألوفة Conventional agriculture أو صناعة الزراعة كما تسمى في الأدب العلمي الغربي، تتسم بالتكثيف الرأسمالي أي بضخامة الأصول الرأسمالية للمزرعة، كما تتسم بضخامة المساحات المزرعية، وارتفاع وتطور مستوى الميكنة الزراعية، وتتابع زراعة نفس المحصول في التربة، والاستخدام المكثف للمخصبات الصناعية والمبيدات الآفية والحشائشية، كما تتسم أيضا بالإنتاج المكثف للحيوانات والدواجن. وأخيرا يتواكب مع هذا النوع من الزراعة ما يسمى بشبكة الأعمال التجارية الزراعية الحديثة (كنور و واتكنز Knorr and Watkins, ed.، 1984).
وبالرغم من كفاية الزراعة المألوفة هذه وكفاءتها إلا أنها لم تخلو من بعض المآخذ والسلبيات والآثار الجانبية مثل تلوث المياه الجوفية، وتآكل التربة وانسحالها وتدهور خصوبتها، والتلوث الكيماوي للمنتجات الغذائية، وانحسار المزارع العائلية والمجتمعات الريفية، هذا بالإضافة إلى تسمم حوالي ثلاثة ملايين إنسان كل عام في العالم يموت منهم ما يقرب من عشرة آلاف شخص سنويا نتيجة للتسمم الحاد بسبب استخدام المبيدات للمحاصيل الزراعية وذلك حسب مصادر منظمة الصحة العالمية (الشرق الأوسط:1992).
وهكذا فالزراعة المألوفة تهتم بمَعظَمة كل من الإنتاج والربح واستغلال الطبيعة وترويضها لإشباع لرغبات البشرية المتزايدة. ولذلك يمكن أن نطلق على هذا النوع من الزراعة "زراعة الأولويات الإنتاجية". ونظرا لما لها كما سبق ذكره من آثار سلبية فكان رد الفعل لذلك أن ظهر في الغرب ما يسمى بالزراعة الحيوية، والتي أطلق عليها في الغرب "الزراعة البديلة Alternative agriculture" أو ما يمكن أن نسميها نحن هنا "زراعة الأولويات البيئية"، وهي في الواقع الزراعة العضوية، وإن كان قد أطلق عليها مسميات كثيرة منها ما يلي:
1.      الزراعة العضوية Organic agriculture.
2.      الزراعة المستدامة أو المتواصلة أو المستمرة  Sustainable agriculture.
3.      الزراعة المتجددة  Regenerative agriculture.
4.      الزراعة البيئية  Ecoagriculture.
5.      الزراعة الدائمة  Permaculture.
6.      الحركات أو الديناميات الحيوية Bio-dynamics.
7.      علم البيئة الزراعية Agro ecology.
8.      الزراعة الطبيعية Natural farming.
9.      الزراعة المستديمة قليلة المدخلاتLow-input sustainable agriculture (LISA).
ويحاول بعض الزملاء من الباحثين التمييز بين هذه المسميات كالتمييز بصورة خاصة بين الزراعة الحيوية والزراعة العضوية، ولكن يبدو لي أنه لا داعي إطلاقا لهذه الممارسات التدقيقية التي لا تمثل إلا ترفا علميا في وقت نحن بحاجة إلى استغلال طاقاتنا الإبداعية في دراسة مستقبل وحيوية وأهمية هذا النوع من الزراعة الصديق للبيئة والصديق لجسم الإنسان وصحته والصديق لقيمه وأخلاقياته الدينية والاجتماعية.
وربما يرجع استخدام الغرب لمصطلح الزراعة البديلة Alternative agriculture system وظهور مجلة علمية متخصصة باسم مجلة الزراعة البديلة Journal of Alternative Agriculture حلا مناسبا لتباين هذه المسميات فاخترعوا اسما يرضى عنه جميع الأطراف وهو "الزراعة التي ليست هي الزراعة المعتادة" أي "الزراعة البديلة". ومع ذلك فبالاشترك مع زميل لي هو المرحوم الأستاذ الدكتور صالح نصار النصار أردنا كما سيتضح فيما بعد أن نضيف اسما جديدا للزراعة الحيوية وهو "زراعة الأولويات البيئية" مقابل اسم "زراعة الأولويات الإنتاجية" الخاص بالزراعة المألوفة حتى نبين جوهر الاختلاف بينهما والمتمثل في الصداقة من ناحية والحياد من ناحية أخرى للبيئة بمفهومها الشامل الطبيعي والحيوي والتكنولوجي والاجتماعي الثقافي.
والجديد في هذا المسمي هو النسبية المتمثلة في التركيز على الجانب البيئي في الزراعة البديلة مقابل التركيز على الجانب الإنتاجي والربح في الزراعة المألوفة. والمهم في هذه النظرة هو ما يمكن أن يترتب عليها من إجراءات سياسية تنموية في التحول من الزراعة المعتادة إلى الزراعة البديلة، وذلك فيما يتعلق بالتدرجية في التحول، أي التيقن من أن التحول إلى الزراعة الحيوية أو العضوية أو البديلة لا يمكن أن ينجح بقرار ثوري سيادي سياسي فوري. ذلك لأن الزراعة الحيوية إن هي إلا منظومة تقنية اجتماعية Socio-technical system  كما نسميها في علم الاجتماع الريفي، ولابد لهذه المنظومة من توافر وتفاعل وتآزر عناصر ومكونات معينة تتمثل في الأركان الأخلاقية والعقدية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والتكنولوجية والعالمية.
وبطبيعة الحال لا يمكن قلب كل هذه الأمور رأسا على عقب، فالبعض منها قد يتحول سريعا والآخر قد يستغرق وقتا طويلا. هذا ولابد من التدرج في التحول إلى الزراعة البديلة، ومن ثم إدراك خاصية النسبية في التركيز على جوهرها وهو الصداقة البيئية كما سبق الذكر. هذا مع العلم بأنها في النهاية عندما يكتمل التكامل بين عناصرها ستصل هي بطبيعة الحال إلى الكفاءة الإنتاجية ولكن على أصول حميدة صديقة للبيئة.
مفهوم مختصر للزراعة العضوية:  يقول الأستاذ الدكتور محمود شريف أن أفضل تعريف للزراعة البديلة هو تعريف وزارة الزراعة الأمريكية لها وهو ما يلي:
"الزراعة البديلة هي النظام الإنتاجي الذي يتم فيه إدماج العمليات الطبيعية مثل دورات العناصر  الغذائية وتثبيت الأزوت الجوي والعلاقات بين الآفات وأعدائها الطبيعية في العملية الإنتاجية، وتقليل استخدام المركبات المخلقة من الأسمدة والمبيدات ومنظمات النمو والإضافات العلفية وغيرها من المركبات التي يمكن أن تسبب أضراراً للبيئة والإنسان، والاستفادة القصوى من القوى الحيوية والوراثية للنبات والحيوان، وتطوير المزج بين التركيبات المحصولية والإمكانيات الإنتاجية والمحددات الطبيعية للأرض لضمان التواصل والحفاظ بعيد المدى على المستويات العالية للإنتاج، وتحقيق الإنتاج الذي يتمتع بالكفاءة الاقتصادية مع التأكيد على الإدارة المزرعية المتطورة وصيانة التربة والمياه والطاقة والموارد الحيوية (شريف، 1996)."
وأرجو المعذرة حين أقول إنني أختلف مع صديقي الأستاذ الدكتور محمود شريف حين يقول أعلاه أن هذا "أفضل تعريف للزراعة البديلة" لسبب بسيط أعلم أنه لن يختلف معي فيه وهو أن الزراعة البديلة، بل وحتى الحصادة أو الكومباين، ما هي إلا نظام أو منظومة تقنية اجتماعية Socio-technical system وهذا ما لم يشر إليه مضموناً تعريف وزارة الزراعة الأمريكية أعلاه، وهذا أمر متوقع، فالزراعيون، حتى في أمريكا، قليلا ما يدركون أن الزراعة، أيا كانت، هي في الأصل ثقافة Culture وطريقة حياة بشر، وليست خط إنتاج ثم إنتاج ثم إنتاج، كما لو كان هذا الإنتاج ينزل من السماء دون بشر وراءه، ودون سياسة واختيار، وتخطيط وتنظيم، وبشر يشعرون ويفهمون ويتباينون في قدراتهم ومهاراتهم وثقافاتهم. وسيتضح مقصودنا حينما نتحدث أدناه عن نموذج الزراعة البديلة ونقيضه الزراعة المألوفة.
ماذا يقول المزارعون العضويون عن الزراعة العضوية؟:
 "استعادت أراضينا رائحتها الحلوة التي كنا نستنشقها منذ ثلاثين عاما مضت، لقد زالت عنها رائحتها الحمضية الناتجة عن الكيماويات التي كنا نستعملها حيث كنا نشم رائحة موت مزارعنا آنذاك. لقد تحسن مظهر مزارعنا كثيرا وأصبحت الحياة تدب فيها مرة أخرى، الديدان والطيور والديوك البرية، حتى طائر النورس يطير فوق المزارع الأخرى، ويتوقف عندنا ليأكل. أصبحت سعيدا للدرجة التي أتوقف فيها عن أعمالي وأتحدث بفخر عن الزراعة العضوية. لقد زرعت فول الصويا هذا العام واقترب علوه من أكتافي وحصلت على 50 بوشيل لكل إيكر. لم أرى مثل ذلك من قبل في حياتي. حتى جيراني كانوا متخوفين من مجرد التفكير في زراعة فول الصويا."
هكذا يقول أحد المزارعين العضويين (نلسون Nelson، في رودفيلد وآخرون Rodefeld, et. al، 1978: 441-42) في نبراسكا بالولايات المتحدة الأمريكية وهو أحد مجموعة صغيرة، وإن كانت تتزايد بسرعة كبيرة، من المزارعين العضويين الذين توقفوا عن استعمال الكيماويات, والأسمدة الصناعية، ومبيدات الحشائش، ومبيدات الآفات، وتحولوا إلى الزراعة العضوية في السنين الأخيرة. إنهم يستعملون أنواعا من البدائل للأسمدة الكيماوية منها السماد العضوي، وزيت السمك Fish oil، والدورة الزراعية، والسماد الأخضر Green manure، وذلك بالحرث تحت غطاء محصولي. كما يعتمدون على مقاومة الآفات بواسطة الحشرات الأخرى وكذلك بالاعتماد على التوازن الطبيعي لحقولهم.
ويقول مزارع آخر يزرع 700 إيكر زراعة عضوية منذ 13 عاما أنه يحصل على إنتاج أعلى بكثير في الكم والنوع من جيرانه المزارعين الكيماويين. ويقول لقد كان جيراني يضحكون مني بل كانوا يتحاملون على عندما بدأت الزراعة بدون كيماويات. والآن تغير الوضع تماما، والكثيرون ممن كانوا يضحكون مني أصبحوا ينقلبون إلى الزراعة العضوية. ويقول هذا المزارع أيضا ردا على من يقولون أن الزراعة العضوية غير مربحة أن متوسط محصوله من الذرة هذا العام قد بلغ 125 بوشيل للإيكر بل وقد وصل إلى 185 بوشيل في أحسن بقعة من أراضيه، علما بأن محصول الزراعة الكيماوية يبلغ 90-95 بوشيل للإيكر. ويقول أيضا أن تكاليف إنتاجه أقل كثيرا عن جيرانه الكيماويين لأنه لا يستعمل المبيدات ولأن تكاليف أسمدته أقل كثيرا من الأسمدة الصناعية. هذا ويقول المزارعون العضويون أن محاصيلهم أكثر مقاومة للظروف الصعبة وللأمراض النباتية وللحشرات والنوبات الجوية القاسية.
وبالإضافة إلى ذلك يؤكد المزارعون العضويون أن نوعية محاصيلهم وحيواناتهم أفضل بكثير، فمحتوى البروتين في محاصيلهم أعلى بكثير عن المزارعين الآخرين. وأن ماشيتهم تحتاج إلى غذاء أقل وتزداد أوزانها أكثر بالقليل الذي تستهلكه، علاوة على أنها أصح وأقوى. وفوق هذا وذاك يؤكد المزارعون العضويون أن صحتهم الخاصة قد تحسنت كثيرا منذ أن تحولوا إلى الزراعة العضوية.
وإذا كانت الزراعة العضوية بهذه الميزات الإنتاجية والنوعية والبيئية والصحية، فلماذا لا يتحول إليها المزيد من المزارعين الكيماويين؟ إنهم يتحولون بالفعل، يجيب المزارعون العضويون، ولكن ليس بالمعدل المأمول وذلك لأنه من العسير على المزارع العادي أن يحصل على المعلومات الكافية عن الزراعة العضوية من مرشده الزراعي بمنطقته أو من جمعياته الزراعية أو من الجامعة. كما أن المزارع العادي لا يفهم العلاقات الحيوية التي تحدث تحت سطع تربته، تلك التي تحدث بين ديدان التربة والحشرات والبكتريا. إنهم منشغلون بجمع المال عن دراسة هذه الأشياء. وتستغرق عملية بناء الحياة تحت التربة المنزرعة كيماويا وقتا ليس بالقصير، ولذلك يحث المزارعون العضويون زملاءهم الكيماويين أن يستمروا في الزراعة العضوية لمدة سنتين على الأقل حتى تبنى هذه العلاقات الحيوية وتبدأ البكتريا والحشرات والديدان تعمل من أجلهم وتحدث التوازن الحيوي تحت التربة.
ومن الأسباب التي لم يذكرها المزارعون العضويون صعوبة الحصول على الائتمان والقروض لمن يرغب في الدخول في الزراعة العضوية. فمثلا ترفض البنوك الريفية والمنظمات الإقراضية المحلية مثل منظمة إدارة المنزل الريفي Farmers’ Home Administration (FHA) بأمريكا الإقراض إلا للمزارعين الكيماويين وكذلك معظم المقرضين الآخرين، كما تفضل هذه الهيئات جميعها الإقراض للزراعة الضخمة المستعملة لكثافة رأس المال والآلات والمدخلات السمادية الصناعة والمبيدات. ويقال أن هذا الاحتكار الإقراضي يعتبر من أهم معوقات التنمية الريفية.
إنجازات الزراعة العضوية في الصين: ربما بسبب الحيز المتاح في هذا الكتاب يمكن أن نوجز القواعد الأساسية للنجاح المدهش للزراعة العضوية في الصين، تلك الدولة التي نجحت في إطعام ما يقرب من ربع سكان العالم وبشهادة معقل الزراعة المألوفة في العالم وهو وزارة الزراعة الأمريكية (بلوبوم Bloboum في رودفيلد – مرجع سبق ذكره: 443-45)، هذا النجاح الذي جعل الصينيين ينتجون ما يقرب من إنتاج أمريكا من الحبوب ولديهم ثلاثة أضعاف ما لدي أمريكا من الخنازير والأغنام. وفيما يلي هذه القواعد:
1.      الجمع بين العمل الجسدي الشاق والأساليب الزراعية الحديثة مع استخدام القليل من الجرارات والمدخلات التقنية الأخرى.
2.      اختيارية وانتقائية تبني التقنيات الحديثة.
3.      إعادة استخدام الفضلات في الزراعة.
4.      التنوع والتكثيف الزراعي بالمزارع.
5.      التركيز على زيادة إنتاجية الأرض وليس على تقليل العمالة الزراعية وبالتالي عدم التركيز على الميكنة الزراعية والتقنيات المستهلكة للطاقة الغالية.
6.      التركيز على إعادة استخدام كميات هائلة من الفضلات الإنسانية والنباتية والحيوانية حتى من قاع الأنهار والمزارع السمكية والمصارف ونقلها إلى الأراضي الرملية لبناء التربة العضوية.
7.      استخدام مخلفات الصرف الصحي كمصدر رئيسي للسماد ولولا ذلك لعانت الصين من مشكلات خطيرة لتلوث المياه.
8.      استخدم القمامة كمصدر هام للسماد أيضا بعد نقلها إلى الريف وعلى رؤوس المزارع ومعاملتها هناك في صورة كومبوست (سماد بلدي صناعي).
9.      تربية الخنازير التي تستهلك مخلفات المصانع الغذائية وتنتج السماد، ويمكن أن تكون الأغنام بديلا للخنازير في الدول الإسلامية.
10. الأسمدة العضوية تمثل أكثر من 80% من الأسمدة الصينية والباقي أسمدة كيماوية تستورد وتوزع حيث تزداد الحاجة إليها.
11. وأخيرا البحث العلمي والتطوير والإرشاد الزراعي حيث يقسم عمل المختصين في بعض المعاهد الزراعية إلى ثلاث دورات سنوية، سنة لإجراء البحوث في المعمل، وسنة للعمل في مشروعات بحثية في الوقت الذي يعيشون فيه ويعملون مع الفلاحين، والسنة الثالثة للتنقل في الإقليم لاكتشاف المشاكل المطلوب بحثها والمشاركة في فصول تعليم الكبار لشرح نتائج البحث العلمي.
ألا يمكن تطوير هذه السياسة المتكاملة مع ما يتناسب وظروف مجتمعنا المصري الريفي والحضري لتكون منطلقا للتوجه نحو الزراعة العضوية في مصر حيث يمكن زيادة الإنتاج الزراعي وإحياء التربة الزراعية المصرية وإنعاش المجتمعات الريفية واستغلال العمالة البشرية الفائضة ونظافة البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية حفاظا على حقوق أحفادنا وأجيالنا المستقبلية واستعمارا للأرض وإرضاءً لمولانا وشكرا على نعمه وآلائه؟
ماذا يقول علماء الاجتماع الريفي عن مفهوم الزراعة العضوية؟ لقد كون الاجتماعيون الريفيون نموذجا لفهم الزراعة العضوية أو الزراعة البديلة يتمثل في ستة محاور أساسية تمثل البناء الإداري والاقتصادي والاجتماعي والتقني والقيمي والسياسي لهذه الزراعة التي تمثل طريقة متكاملة للحياة الإنسانية الريفية. وربما يحسن عرض هذا النموذج في الجدول التالي في صورة مقارنيه مع نموذج الزراعة المألوفة، زراعة التكثيف الرأسمالي (جامع والنصار، 1994: 30-31):
جدول 42. نموذج مقارني للزراعة المألوفة والزراعة العضوية
نموذج الزراعة المألوفة
Conventional Agriculture

نموذج الزراعة العضوية

Organic or Alternative Agriculture
المركزية:
الإنتاج للسوق الوطني والعالمي، التصنيع والتسويق، والتركيز السكاني، قلة المزارعين، ومركزية التحكم في الأراضي والموارد والأصول الرأسمالية.

اللامركزية:
الإنتاج للسوق المحلي والإقليمي، التصنيع والتسويق، الانتشار السكاني وكثرة المزارعين، انتشار التحكم في الأراضي والموارد والأصول الرأسمالية.
التبعية:
تقنيات ووحدات إنتاجية كبيرة وكثيفة رأس المال، الاعتماد الكبير على المصادر الخارجية للطاقة ومدخلات الإنتاج والتمويل، تشجيع الاستهلاك والاعتماد على السوق.
الاستقلال:
تقنيات ووحدات إنتاجية أصغر وقليلة رأس المال، الاعتماد الأقل على المصادر الخارجية للطاقة ومدخلات الإنتاج والتمويل، التوجه إلى المزيد من الاكتفاء الشخصي واكتفاء المجتمع المحلي، الاعتماد الأساسي على المعرفة الشخصية والمهارات والحكمة المحلية.
المنافسة:
الذاتية وقلة التعاون، بلاء التقاليد المزرعية والثقافة الريفية، المجتمعات الريفية الصغيرة ليست متطلبا للزراعة، العمل المزرعي عناء يجب تقليله كمدخل إنتاجي، الزراعة عمل تجاري فقط، الاهتمام الأساسي بالسرعة والكم والربح.
الجماعية:
التعاون، الاحتفاظ بالتقاليد المزرعية والريفية، المجتمعات الريفية الصغيرة ضرورية للزراعة، العمل الزراعي ممتع ويجب الارتقاء به والسمو بمعانيه، الزراعة بجانب عمل تجاري وحياة أيضا، الاهتمام الأساسي بالاستدامة والنوعية والجمال.
السيطرة على الطبيعة:
الإنسان مخلوق منفصل عن الطبيعة ومهيمن عليها، تتكون الطبيعة أساسا من موارد معدة للاستغلال، دورة الحياة لا تكتمل، ولا ينظر إلى التحلل، ومن ثم بهمل إعادة استخدام الفضلات، تفرض النظم صنيعة الإنسان على الطبيعة، تواصل الإنتاج باستخدام الكيماويات الزراعية، تصنيع غذائي عال، غذاء مدعم بالمغذيات.
التآلف مع الطبيعة:
الإنسان جزء من الطبيعة وخاضع لها. تقيم الطبيعة أساسا من أجل ذاتها، دورة الحياة تكتمل، ومن ثم فإن النمو والتحلل متوازنان، تحاكى النظم البيئية الطبيعية، تواصل الإنتاج بتنمية التربة الصالحة، أدنى تصنيع، غذاء طبيعي مفيد.

نموذج الزراعة المألوفة
Conventional Agriculture

نموذج الزراعة العضوية

Organic or Alternative Agriculture
التخصص:
قاعدة وراثية ضيقة، معظم النباتات في بيئات أحادية، الفصل بين المحاصيل والإنتاج الحيواني، نظم إنتاجية محددة، علم وتقنيات تخصصية منفردة.
التنويع:
قاعدة وراثية عريضة، تزرع نباتات أكثر في بيئات متعددة، التكامل بين المحاصيل والإنتاج الحيواني، نظم إنتاجية متلائمة مع الواقع المحلي، علم وتقنيات تكاملية في مجالاتها وشمولية في توجهاتها.
الاستغلال:
غالبا ما تهمل التكاليف الإنتاجية الخارجية، سيادة الأخذ بالعوائد قصيرة الأجل، الاعتماد على الاستغلال المكثف للموارد غير المتجددة، الثقة الكبيرة في العلم والتكنولوجيا، الاعتماد على الاستهلاك العالي للمحافظة على النمو الاقتصادي، النجاح المالي، أنماط الحياة المفعمة أو المزدحمة والمادية.
التحسب والاعتدال:
ضرورة الأخذ بجميع التكاليف الخارجية، تساوي أهمية العواقب قصيرة المدى وطويلة المدى، الاعتماد على الموارد المتجددة، وصيانة الموارد غير المتجددة، الثقة المحدودة في العلم والتكنولوجيا، تحديد الاستهلاك من أجل صالح الأجيال المستقبلية، اكتشاف الذات، أنماط حياة أكثر بساطة، واللامادية.
ماذا يقول الخبراء الزراعيون العرب عن الزراعة العضوية؟ أجرى المؤلف مع زميله المرحوم الأستاذ الدكتور صالح نصار النصار عميد كلية الزراعة جامعة الملك سعود بالقصيم سابقا دراسة عنوانها "الزراعة بين الأولويات الإنتاجية والأولويات البيئية في فكر الخبراء بالزراعة السعودية،" وذلك عام 1994م. تم استطلاع رأي 106 خبيرا من شاملة البحث وهي حملة الدكتوراه في فروع الزراعة في كليات الزراعة بالرياض والقصيم والمنطقة الشرقية بالإحساء. وتمثل عينة البحث (106 خبيرا) 58.2% من مجموع الخبراء في الكليات الثلاث الذي كان 182 خبيرا.
وإذا حاولنا وصف هذه العينة نجد أن متوسط عمر الخبراء الزراعيين 44.2 عاما، بمعامل اختلاف قدره 15.2%، وكان متوسط مدة خبرتهم معبرا عنها بالسنوات المنقضية بعد الحصول على الدكتوراه 11.2 عاما بمعامل اختلاف قدره 62.4%. وربما يرجع الاختلاف النسبي الكبير لمتغير الخبرة عن العمر إلى أن كبار السن قد حصلوا على الدكتوراه في أعمار أصغر من صغار السن من الخبراء مما أدى إلى التباين الأكبر في الخبرة عن التباين في العمر نفسه.
وقد بلغ عدد الخبراء السعوديين 42 خبيرا يمثلون 39.6% من العينة، بينما بلغ عدد الخبراء المصريين 57 خبيرا بنسبة 53.8% من العينة، وبلغ عدد الخبراء من الجنسيات الأخرى سبعة خبراء يمثلون 6.6% من العينة. وقد حصل 25خبيرا من العينة (23.6%) على شهادة الدكتوراه من جامعات محلية عربية بينما حصل 81 خبيرا (76.4%) على شهادة الدكتوراه من جامعات أجنبية. وكانت عينة الخبراء كما يلي:
الدرجة العلمية
التخصص
6 باحث فني بنسبة 5.7%
31 أستاذ مساعد (مدرس) بنسبة 29.2%
41 أستاذ مشارك بنسبة 38.7%
28 أستاذ بنسبة 26.4%
8        تخصص هندسة زراعية (7.5%)
27 إنتاج وتربية حيوان (25.5%)
14 وقاية نبات بنسبة (13.2%)
27 إنتاج نباتي بنسبة (25.5%)
13 تربة بنسبة (12.3%)
17 علوم اجتماعية زراعية (16.0%)
وقد نشأ هؤلاء الخبراء الزراعيون في بيئات مختلفة، إذ نشأ 41.5% منهم في بيئة حضرية، كما نشأ 25.5% في بيئة مختلطة بين الريف والحضر، في حين نشأ 33% منهم في بيئة ريفية. ونتيجة لهذه النشأة التي تميل إلى البيئة الحضرية نجد أن 84% من هؤلاء الخبراء لا يمارسون الزراعة بينما يمارسها 16% منهم فقط. ولذلك انخفضت مساحة الأرض الزراعية المملوكة لكل خبير إلى 5.4 فدان بينما بلغ منوال هذا المتغير عشرة أفدنة. فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للزراعة مهنة تخصصهم، فقد أظهرت الدراسة المزيد من تجنب هؤلاء الخبراء للنشاطين التجاري و الصناعي حيث لم يشارك فيهما إلا أربعة خبراء فقط بنسبة 3.8%.
وبالنسبة للاهتمامات البيئية للخبراء الزراعيين فقد ذكر 89 خبيرا (84%) أنهم اطلعوا مؤخرا على المعلومات البيئية، بينما ذكر 16% من العينة أنهم لم يلقوا بالا للاطلاع مؤخرا على المعلومات البيئية. وربما نتيجة لذلك، فقد فضل 72.6% من الخبراء أولوية الاهتمام بالبيئة على أولوية الاهتمام بالإنتاج في الزراعة، في حين فضل 27.4% من الخبراء أولوية الاهتمام بالإنتاج الزراعي على أولوية الاهتمام بالبيئة. ومع ذلك فلم يرى 96.2% من الخبراء ضرورة لوضع مزيد من التشريعات البيئية. وقد أدى هذا إلى انخفاض درجة جدية مقترحات الخبراء وعمقها بالنسبة لحماية البيئة كما قدر ذلك الباحثان حيث ظهرت النتائج التالية:
قدم 4.7%  فقط من الخبراء مقترحات ممتازة لحماية البيئة.
قدم 6.6% مقترحات جيدة.
قدم 9.4% مقترحات متوسطة.
قدم 25.5% مقترحات ضعيفة.
لم يقدم 53.8% مقترحات على الإطلاق.
وتشير هذه النتائج إلى إحساس الخبراء الزراعيين بمشكلة التدهور البيئي إلا أنها تشير إلى سكون فكر الحلول والتوجهات وتدني الدافعية نحو مواجهة هذه المشكلة. وقد يرجع ذلك لانشغال الخبراء في تخصصاتهم الجزئية، وتعقيد المشكلة البيئية وحلولها، وغياب الجماعات والمنظمات التطوعية التي تسعى إلى الحفاظ على البيئة وترشيد استغلال الموارد الطبيعية. وربما يرجع ذلك أيضا إلى ما أظهرته نتائج هذا البحث من أن 69.8% من الخبراء الزراعيين لا يرون أن الزراعة هي أحد الأسباب الأساسية للمشكلات البيئية.
وقد قامت الدراسة بقياس التوجهات الإنتاجية-البيئية الزراعية للخبراء الزراعيين باستخدام مقياس بويس ودانلاب (Beus and Dunlap، 1991: 432-60) المعدل بواسطة الباحثين، والذي تبين منه أن الخبراء الزراعيين العرب اتخذوا موقفا وسطا بالنسبة لتوجههم الإنتاجي-البيئي حيث بلغ متوسط هذه التوجهات 73.06 على مقياس بويس ودانلاب المعدل، وهو يقارب النقطة الوسطية على المقياس نفسه الذي يتراوح بين 23 (توجه إنتاجي صرف) إلى 115 (توجه بيئي صرف) حيث أن هذه النقطة الوسطية هي 69، ومع ذلك فإن هذا الفرق  (73.06-69 = 4.06) هو فرق معنوي على المستوى الاحتمالي 0.001 وذلك باستخدام اختبار t لقياس معنوية الفرق بين متوسطين.
ولذلك يمكن القول أن الخبراء الزراعيين العرب يميلون إلى التوجه البيئي أكثر مما يميلون في تقييماتهم إلى التوجه الإنتاجي. وهذا لمما يؤيد العرض الوصفي السابق الذي أظهر أن 72.6% من الخبراء اختاروا أولوية الاهتمام بالبيئة بينما اختار 27.4% أولوية الاهتمام بالإنتاج. ومع ذلك فبالمقارنة بنتائج بويس ودانلاب يقل التوجه البيئي للخبراء الزراعيين العرب عن التوجه البيئي للمزارعين الأمريكيين الذي بلغ على مقياس الباحثين المذكورين 77.53 وهي زيادة قدرها 4.47 نقطة أي تمثل فرقا معنويا على المستوى الاحتمالي 0.001. ونذكر فيما يلي بعض الفروق بين مواقف الخبراء الزراعيين العرب من ناحية والمزارعين الأمريكيين من ناحية أخرى بالرغم من الفروق الثقافية والعلمية:
1.      يركز الخبراء الزراعيون العرب على ضرورة الحفاظ على التربة وقدرتها الإنتاجية، وعلى المياه، واستخدام الأسمدة الطبيعية والدورة الزراعية للحفاظ على التربة، وتحسين نوعية المنتجات الزراعية مع تحسين حالة المزارع (جمع مزرعة) مما يهيئ لزيادة نسبة السكان الزراعيين والتوجه للحياة الريفية والاكتفاء شبه الذاتي للمزارعين من حيث إنتاجهم لسلعهم وخدماتهم بأنفسهم. وتدل هذه التوجهات على إدراك الخبراء الزراعيين العرب لحساسية الموارد وعلى رأسها التربة والمياه وإيمانهم بضرورة الحفاظ عليها ووقف التدهور والاستنزاف اللذين يواجهان تلك الموارد. هذا ويبدو لدي الخبراء أيضا أهمية إنعاش المجتمعات الريفية وزيادة نسبة السكان الزراعيين وتدعيم قدراتهم الاستقلالية والاكتفائية الذاتية.  أما بالنسبة للمزارعين الأمريكيين، فبدلا من تركيز الخبراء العرب على الموارد الزراعية، نجد أنهم (المزارعين الأمريكيين) يركزون على ضرورة إنعاش وتضخيم القطاع الريفي والزراعي وإذكاء التقاليد والثقافة الزراعية وتوسيع قاعدة المزارع الصغيرة ومحلية الإنتاج الزراعي. وهنا يبدو جليا إدراك المزارع الأمريكي للآثار السلبية لزراعة التكثيف الرأسمالي وخاصة على تقليص حجم القطاع الريفي والزراعي وما صاحبه من تدهور بيئي ريفي وحضري في آن واحد. وهذا لمما يؤكد بقاء المذهب الزراعي أو العقيدة الزراعية Agricultural creed  منغرسة في توجهات المزارعين الأمريكيين كما ذكرنا من قبل.
2.      يرى المزارعون الأمريكيون أنه يجب أن تكون الأهداف الأساسية للزراع هي أقصى إنتاجية وأعلى كفاءة وأعلى ربحية لمزارعهم، بينما يرى الخبراء الزراعيون العرب أنه يجب أن تكون الأهداف الأساسية للزراعة هي تحسين نوعية المنتجات الزراعية واستمرار تحسين حالة مزارعهم للمدى الطويل.
3.      يرى المزارعون الأمريكيون أنه يجب المحافظة على الاستهلاك العالي للطاقة في الزراعة طالما أن ذلك يؤدي إلى زيادة الربح من الزراعة، بينما يرى الخبراء الزراعيون العرب أنه يجب خفض استهلاك الطاقة في الزراعة حيث أن الاستهلاك العالي للطاقة يهدد مستقبل الزراعة.
4.      يرى المزارعون الأمريكيون أن الزراعة الحديثة هي أحد الأسباب الرئيسية لمشاكل البيئة، ويجب أن تصحح الزراعة لكي لا تكون كذلك، بينما يرى الخبراء الزراعيون العرب أن الزراعة الحديثة هي سبب فرعي بسيط لمشكلات البيئة، ويجب أن تعدل كل فترة تعديلا طفيفا لتجنب ذلك. وربما يرجع ذلك إلى ارتفاع درجة الوعي البيئي لدي المزارعين الأمريكيين وتأثرهم بالحركات والجماعات والمنظمات البيئية ووسائل الإعلام الغربية التي قطعت شوطا كبيرا ومؤثرا في مواجهة التدهور البيئي المحلي والإقليمي والعالمي.
5.      يرى المزارعون الأمريكيون أن المزارع الجيد أساسا هو الخبير العارف بطبيعة التربة بينما يرى الخبراء الزراعيون العرب أن المزارع الجيد أساسا هو القادر على تطبيق نتائج العلوم الزراعية الحديثة. وربما يرجع ذلك إلى إحساس الخبراء الزراعيين بالفجوة الكبيرة في تقديرهم بين واقع الزراعة ما يمكن أن تصبح عليه لو أنها واكبت المكتشفات العلمية الزراعية الحديثة.
موجز القول: يتبين مما سبق ميلاد نموذج زراعي جديد في منطقتنا العربية هو نموذج "زراعة الأولويات البيئية" كما لقبته دراسة جامع والنصار، وما سميت مرادفاته من قبل بالزراعة المستدامة والزراعة الحيوية وغيرها من مسميات كثيرة وذلك في مقابل "زراعة الأولويات الإنتاجية" التي تطبق في المملكة العربية السعودية أكثر من أي دولة عربية أخرى. وقد فرضت الآثار السلبية لهذه الزراعة الهوجاء على متخذي القرار السعودي تخفيض نسبة الأراضي الرسمية المزروعة قمحا بنسبة 80% بعد تبين الاستنزاف الواضح للموارد الطبيعة والتكنولوجية والبشرية السعودية. وتوضح النتائج أن كلا من القضايا التي يحتوي عليها هذا النموذج الزراعي الجديد ينظر إليها بواسطة الزراعيين على أنها جزء من مركب كلي متكامل. ويعني هذا أن الحوار والجدل حول قضايا تقليدية مثل استخدام المبيدات أو التصحر وتدهور التربة قد يربط أو يدمج في المستقبل القريب مع قضايا أخرى مثل البنيان الزراعي أو حيوية المجتمعات الريفية. ومن ثم يجب أن توجه البحوث الزراعية إلى تحديد العلاقة بين مختلف قضايا النموذج الزراعي الجديد حتى يتسنى مناقشة أية قضية محددة في ظل موضعها من هذا المركب الكلي المتكامل وعلاقتها بكل من مكوناته المتباينة.
هذا ويبدو أن حرارة الحوار بين مؤيدي كل من زراعة  الأولويات الإنتاجية وزراعة الأولويات البيئية تزداد يوما بعد آخر منذ بداية الصراع القديم بين الحضارة الزراعية والتمركز الصناعي كما قال ماكونيل McConnel (1969)، هذا الصراع الذي تميز مؤخرا بالتأثر بالحركة البيئية وكتابات الرواد الأعلام أمثال  سير آلبيرت  هوارد A. Howard و وليام آلبريخت W. Albrecht  وشوماخر E. F. Schumacher وروبرت روديل  R. Rodale  الذين بحثوا ودرسوا الأساليب والنظم والتقنيات الزراعية حميدة الآثار البيئية المبنية على أحدث المعارف العلمية وأرشد القيم الإنسانية.

والآن، السؤال مرة أخرى، ماذا تفعل لو كنت وزير الزراعة الحالي وذلك من أجل التنمية الزراعية من أجل التنمية الريفية المستدامة؟
1.      إذا لم أكن أشعر أنني راغب، وعارف، وقادر على إحداث تنمية زراعية حقيقية فأترك هذا المركز لمن يقدر، فهو تكليف عتيد، وليس شرفا يستمتع به.
2.      الزراعة بعد الثورة تحتاج إلى تغيير هيكلي لا تستوعبه عقول المستشارين الحاليين وربما الوزير الحالي أيضا فهؤلاء هم من تشربوا ثقافة تدمير الزراعة في عصر مبارك تحت شعار خصخصة وتحرير الزراعة والافتخار بأنها أول القطاعات المتخصخصة.
3.      إعادة هيكلة وزارة الزراعة كنظام اجتماعي بحيث ينطلق كل فرد فيه بأقصى طاقة ممكنة للعطاء، وذلك من أجل تحقيق الكفاءة الإدارية العظمى للوزارة.
4.      امتدادا للنقطة السابقة وتأسيسا لها، يطور الوزير الزراعة بمبدأ التنمية الزراعية على أساس المدخل المؤسسي أكثر منه على أساس مدخل المشروع (لتفسير ذلك يرجع لمقال آخر للكاتب).
5.      تحقيق أقصى درجة ممكنة من الاكتفاء الذاتي للغذاء والكساء ورشد استخدام الماء وخاصة العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والفول والسكر بصورة أساسية بالإضافة إلى المحاصيل الزيتية والخضر والفاكهة والدواجن واللحوم ومنتجات الألبان والمحافظة على الموارد المائية وترشيد الري وأساليبه.
6.      التوجه نحو تحقيق مصلحة المزارع الصغير والمتوسط وخريجي كليات الزراعة والمدارس الزراعية المتوسطة لأنهم هم المورد البشري الزراعي وهم بحاجة للدعم والحماية وليس كبار المستثمرين الزراعيين. وفي هذا المجال يحتاج المزارعون إلى مساعدة الوزير في إقامة نقابة واتحادات لهم لتقويتهم وتمكينهم بدلا من استبعادهم كما كانوا من قبل.
7.      ضرورة نشر العقيدة الزراعية وشرف وقيمة الاشتغال بالزراعة، ثم دعم الزراعة بكافة السبل الممكنة كما يحدث حتى في الدول الرأسمالية (أمريكا وأوروبا) – الاتحاد الأوروبي يدعم بنسبة 30% من تكلفة الزراعة، وأمريكا أم الدعم. ولكم أن تتصوروا سياسة الظلم الفاحش الذي كان كبار رجال الأعمال الصناعيين يدعمون فيه بما يزيد عن 70% من دعم مصر وخاصة من خلال الوقود والطاقة. هل يتصور مستشارو العصر الظالم أن تقلب أحوال الدعم وتدعم الزراعة والفقراء بتلك النسبة؟ ويتمثل الدعم في خفض تكلفة مستلزمات الإنتاج (المدخلات) من ناحية، وتسهيل التسويق ورفع أسعار المنتجات الزراعية (المخرجات) من ناحية أخرى.
8.      ضرورة العودة إلى الدورة الزراعية وتحقيق سياسة فعالة متفق عليها بالنسبة للتجميع الزراعي وتخفيض أو إلغاء الضريبة الزراعية على المحاصيل التقليدية ووضع ضرائب كبيرة نسبيا (مثل ألف جنيه للفدان) بالنسبة للخضر والفاكهة.
9.      وارتباطا بقضية الدورة الزراعية يجب أن نفكر في التنسيق بين مصر والسودان وأثيوبيا ودول حوض النيل بالنسبة للاعتماد على زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه في هذه الدول مما يوفر لنا إمكانية الاكتفاء الذاتي من القمح والعودة لزراعة القطن.
10. العمل على المحافظة على الرقعة الزراعية الحالية والتوسع العمراني خارج الدلتا والوادي، وخاصة في سيناء، وتحقيق النمط الأمثل لنظم الحيازة المزرعية في الأراضي الجديدة والمستصلحة حديثا، وهو نمط النفع المتبادل بين الحيازات الصغيرة والتجارية والإقطاعيات، وبمعنى آخر، التوسع الأفقي في الرقعة الزراعية من خلال استصلاح واستزراع الأراضي الجديدة وتوزيعها على المنتفعين والخريجين بنسبة لا تقل عن 50% للحيازات الصغيرة، 35% للحيازات التجارية (حوالي 160 فدان)، والباقي (15%) لكبار المستثمرين الجادين (ألف فدان تقريبا) والمستعدين لدعم ومساعدة صغار المزارعين والمزارعين التجاريين.
11. ضرورة الاهتمام بالبحوث الزراعية وتطبيقها (الإرشاد الزراعي) والعودة إلى ميزانيتها بعد التخفيض المخزي الذي حدث مؤخرا في عصر الظلم والظلمات السابق، وذلك من أجل توفير التقاوي للأصناف والهجن النباتية مع الإشراف على إكثار التقاوي المسجلة والمعتمدة للمحافظة على نقاوة الأصناف وثبات صفاتها الوراثية، هذا ويجب أن ينشط مشروع مراكز الإرشاد الزراعي ويتم تكملته وإعطاء حرية كافية (لامركزية) لمديريها (وليس لمسئوليها كما يسمون حاليا) وأن تتم حمايتهم من طغيان وسيطرة مديري الزراعة في المحافظات إذا سولت لهم أنفسهم ذلك الطغيان.
12. تحديث وتوفير النظم التسويقية لصغار المنتجين. وتطوير السياسة الائتمانية لبنك التنمية والائتمان الزراعي ليقوم بدور تنموي متزايد في القطاع الزراعي، بتوفير فرص الائتمان والتمويل للأنشطة الزراعية واللازراعية الصغيرة، وتفعيل التعاونيات الزراعية بأنواعها وتطويرها لتكون تعاونيات إنتاجية على نهج القطاع الخاص.
13. تحقيق أقصى درجة ممكنة من القيمة المضافة للمنتجات الزراعية من خلال التصنيع الزراعي بما في ذلك تصنيع الأسماك وخاصة من بحيرة السد العالي، وتصنيع الزيتون بعد التوسع الهائل فيه، وكذلك التمور، والطماطم والخضر والفاكهة عموما وعيش الغراب والألبان أيضا وهناك إبداعات كثيرة في هذا المجال مثل عنب معين يزرع في ناميبيا في بيئة وتربة مشابهة لمناطق عندنا في الصحراء الغربية وهو ذو طعم خيالي وسعر هائل.
14.             الاهتمام بالرقابة ومراعاة سلامة الغذاء والاتجاه نحو التسميد العضوي ومحاولة تطبيق الخبرات المكثفة للزراعة العضوية في الصين في مصر (وللصين في ذلك حديث خاص)، حيث لا يعلم الكثيرون أن الزراعة العضوية يمكن أن تكون غير مكلفة كما يعتقد الرافضون لها وعلى رأسهم الاقتصاديون، بالإضافة إلى الاعتماد على برامج المكافحة البيولوجية المتكاملة، وتخصيص مناطق زراعية للزراعة العضوية مثل جنوب الوادي ومناطق أخرى بالصحراء الغربية.
15.             المساهمة في التنمية الريفية الشاملة وتحسين الرعاية الصحية والتعليمية للريفيين وكذلك البنية التحتية مثل الطرق والنقل والاتصال والكهرباء والماء والصرف الصحي، وضرورة تخفيف العبء الدوري على المرأة الريفية في مواجهة مهامها الزراعية والمنزلية والمجتمعية المحلية، ومراجعة السياسة البيئية التي تتحكم في الزراعة والمزارعين.


المراجع
 جامع، محمد نبيل وصالح نصار النصار، "الزراعة بين الأولويات الإنتاجية والأولويات البيئية في فكر الخبراء بالزراعة السعودية،" مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والبحوث الزراعية، جامعة عين شمس، القاهرة، مجلد 2، العدد 1، إبريل 1994، ص ص 30-31.
شريف، محمود محمد، "اقتصاديات الزراعة العضوية،" ندوة الزراعة العضوية بين النظرية والتطبيق، قسم الأراضي والمياه، كلية الزراعة جامعة الإسكندرية، 5/12/1996م، الورقة الأخيرة،  ص 4.

Belden, Joe and Gregg Forte, “  a new direction II: Rejuvenating the small family farm. In  Rodefeld, R. Ibid., p. 489.
Beus, C. E. and R. E. Dunlap, “measuring adherence to alternative vs. conventional agricultural paradigms: A proposed scale, “Rural Sociology,” 56: 1991, pp. 432-460.
Blobaum, Roger, “how China uses organic farming methods,” in Rodefeld, Richard D. et. al., Op. Cit. , pp. 443-445.
Bookchin, Murray. Our Synthetic Environment. London: Jonathan Cape Ltd., 1963.
Buttel, F. H.  et. al. “reduced –input agricultural systems: Rationale and prospects,” Journal of Alternative Agriculture, 1:58-64.
Carter,  Dale and Gill Carter,  Topsoil and civilization 1955 - http://www.4shared.com/document/gBfXW-8K/Topsoil_and_civilization_-_Dal.html
Hall, H. Fielding. The Soul of a People. London: Mcmillan & Co., Ltd.k 1920.
Knorr, D. and T. R. Watkins (eds.) Alterations in Food Production. New York: Van Nostrand Reinhold, 1984.
Mansholt, S. L. Our Accelerating Century. London: The Royal Dutch/Shell Lectures on Industry and Society, 1967.
McConnel, G. The Declilne of Agrarian Democracy. New York: Atheneum. 1969.
Murray Bookchin. Our Synthetic Environment. London: Jonathan Cape Ltd., 1963.
Nelson, Bryce, “big farms try kicking the chemical habit,” cited in Rodefeld, Richard D. et. al. Changes in Rural America. Saint Louis:  The C. V. Mosby Company, 1978, 441-42.
Pearlberg, D. American Farm Policy. New York: John Wiley & Sons, 1964. P. 3.
Pearlberg, D. American Farm Policy. New York: John Wiley & Sons, 1964, p. 3.
Schumacher, E. F. Small is Beautiful: Economics as if People Mattered. New York: Harper & Row Publishers, Inc., 1989.
Wolstenholme, Gordon (ed.) Man and His Future. London: A Ciba Foundation Volume, J. & A. Churchill Ltd., 1963.


[1] هذا المبحث مستخلص من: جامع، محمد نبيل، علم الاجتماع الريفي والتنمية الريفية، الإسكندرية: دار المعرفة الجديدة، 2010، الباب الحادي عشر.
[2] تعتمد سياسات الإصلاح الاقتصادي الزراعي في مصر على دعم اتخاذ القرار لراسمي السياسات الزراعية وذلك بإمدادهم بأهم المعالم الإحصائية والاقتصادية والبحوث والإرشاد وتطوير شبكه ربط البحوث الزراعية بالإرشاد الزراعي والنظم الخبيرة وكذا تطوير البنية المعلوماتية لقطاع الزراعة بما يخدم السياسة الزراعية في مصر وقد تم ما يلي للنهوض بالتحرر الاقتصادي في قطاع الزراعة:
1.       تم إلغاء نظام تحديد المساحات المزروعة بالنسبة لجميع المحاصيل الزراعية، حيث تم تحرير التركيب المحصولي.
2.       تم إلغاء الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعي، كما تم تخفيض حجم الدعم على السلع الاستهلاكية الغذائية وأصبحت أسعارها تتمشى مع تكلفتها الاقتصادية وأسعارها العالمية.
3.       تم إلغاء القيود على القطاع الخاص في مجال إنتاج وتوزيع واستيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي وتشمل الأسمدة الكيماوية والتقاوي المحسنة والمبيدات الكيماوية.
4.       تم تعديل أسعار الفائدة على القروض الزراعية لتعكس أسعار الفائدة التجارية، حيث تم إلغاء دعم أسعار الفائدة.
5.       إجراء إصلاحات مؤسسية بالتحول التدريجي لبنك التنمية والائتمان الزراعي من محتكر لتوزيع مستلزمات الإنتاج الزراعي إلى بنك لتمويل مشروعات التنمية الزراعية - حيث كان البنك هو الموزع الوحيد للأسمدة والمدخلات الزراعية الأخرى للمزارعين بأسعار محددة طبقاً لحصص محددة من وزارة الزراعة.
6.       تم إلغاء دعم سعر الصرف لاستيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي، وتم تعديل سعر الصرف للجنيه المصري ليعكس قيمته الحقيقية في الاستيراد والتصدير.
7.       تطوير التشريعات الزراعية فقد تم إعادة النظر في قانون تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضي الزراعية، لتحقيق الكفاءة الإنتاجية والعدالة الاجتماعية.
8.       تم إلغاء نظام التوريد الإجباري لجميع المحاصيل الزراعية فيما عدا محصول قصب السكر الذي ينظر في تحريره، وأصبح التوريد اختياريا. فقد صدر قانون في 1987 بإلغاء حصص وأسعار التوريد الإجباري للقمح والفول البلدي والعدس والسمسم وفول الصويا وغيرها، وتم إلغاء التوريد الإجباري للأرز اعتبارا من 1991.
9.       العودة إلى نظام التسويق الحر للقطن عن طريق إعادة بورصتي البضاعة الحاضرة والعقود.
10.    تشجيع التعاونيات والشركات الخاصة لتقوم بدور الوسيط بين المنتجين والمستهلكين والمصدرين، وتشجيع التنمية الريفية ونشر الصناعات الصغيرة المعتمدة على الخدمات المحلية.
11.    تم إزالة القيود على القطاع الخاص في مجال تصدير واستيراد السلع الزراعية، وتم إلغاء حظر التصدير والاستيراد.
12.    تم تحرير أسعار المحاصيل الزراعية التى كانت تخضع للتوريد الإجباري والتسعير الحكومي، وتحرير أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي ورفع أسعارهما استرشادا بالأسعار العالمية، وقد اقتربت منها وتم منح الحرية للمنتجين الزراعيين في بيع محصول وفقاً لأفضل العروض بأسعار السوق، كما تم منحهم حرية البيع للحكومة في حالة انخفاض مستوى أسعار السوق الحرة عن أسعار التكلفة، حيث حددت أسعار ضمان كحد أدنى للأسعار وتغطى تكاليف الإنتاج، عن طريق التوريد الإختيارى.
13.    الحد من دور القطاع العام والحد من ملكية الدولة للأراضي الزراعية، وبيع الأراضي الزراعية المملوكة للدولة والتابعة للشركات الزراعية، وبيع الأراضي المستصلحة للقطاع الخاص وتشجيعه على استصلاح واستزراع وتملك الأراضي الجديدة لخلق بيئة حرة تنافسية مستقرة، نظراً لما يتوفر لدى الشركات الخاصة من قدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، والاهتمام بعامل الزمن، واستخدام التكنولوجيا الجديدة، وارتفاع مستوى الإدارة. وسوف يقتصر دور الحكومة على المساهمة في أعمال البنية الأساسية، والدراسات الاستكشافية لتحديد أفضل المواقع وتقديم الائتمان والتسهيلات اللازمة لعملية الاستزراع، وقصر الإدارة والاستغلال على القطاع الخاص.
14.    تركيز دور الدولة في توفير الخدمات الزراعية والعمل على تنمية الموارد الزراعية وصيانتها، وإنشاء البنية الأساسية، وقصر دور وزارة الزراعة على البحث العلمي والإرشاد الزراعي والمعونة الفنية ونشر البيانات الإحصائية والمعلومات والأعلام الزراعي، وعن طريق السياسات الاقتصادية الزراعية التى تهدف إلى منع حالات الاحتكار وضمان المنافسة، والدور الرقابي الذي يتضمن مراعاة مواصفات الجودة، وخاصة بالنسبة للتقاوي والمبيدات للحماية من الغش، ودون الدخول مباشرة في عمليات الإنتاج أو التوزيع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق